68 :عدد المقالاتالخميس30.3.2023 الموافق 8 رمضان
 
 

 

الصحافة العربية :

51 - تعيين مرشد جديد لجماعة الإخوان في مصر لا يضمن إنهاء عزلتها(هشام النجار)(العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

- (أزمة الجماعة الرئيسية مرتبطة بالخلافات العميقة حول التكتيكات والتصورات والرؤى والأهداف - تعيين صلاح عبدالحق لا يوحد الإخوان):
القاهرة - لم يحصد جناح لندن لجماعة الإخوان حتى الآن مكاسب سياسية عقب اختياره قائما جديدا بأعمال المرشد، وبدت الخطوة نوعا من سد الفراغات وتقليل الهدم في جسم جماعة بدأ يتآكل ويفقد دوره في العديد من الدول العربية. ولم ينظر أحد داخل الجماعة أو خارجها إلى خطوة تسمية القيادي القطبي صلاح عبدالحق قائمًا بأعمال مرشد الجماعة مؤخرا خلفًا للراحل إبراهيم منير على أنها كفيلة برأب صدع الجماعة وإنهاء أزماتها. ويجعل ذلك كل تصحيح إجرائي واستبدال محدود للوجوه دون مستوى القدرة على إحداث تغيير ملموس في واقع التنظيم، فالأزمة الرئيسية مرتبطة بالخلافات العميقة حول التكتيكات والتصورات والرؤى والأهداف، في ظل مأزق شديد التعقيد داخليا وإقليميًا ودوليًا.
ويسعى المسؤول الجديد إلى إنقاذ التنظيم ومحاولة السيطرة على الفوضى التي ضربت الجماعة عقب القبض على عقلها المدبر محمود عزت في أغسطس 2020 من قبل الأمن المصري. وتسلم عبدالحق ملف الصراع مع الجبهة المنافسة ومقرها إسطنبول بقيادة محمود حسين الذي نصب نفسه قائمًا بأعمال المرشد رافضًا الاعتراف بشرعية قيادة جبهة لندن التي قادها إبراهيم منير متسلحًا باستيلائه على جزء من الموارد المالية وسيطرته على مفاصل إدارية في جماعة الإخوان. ويزداد موقف عبدالحق تعقيدًا لأنه يواجه منافسًا متمرسًا على المناورة سيستغل خبراته التي اكتسبها من جولات صراعه وتحديه للراحل إبراهيم منير، مقابل خبرات عبدالحق المتواضعة في المسائل الإدارية والتنظيمية. وإذا تمكن من الصمود في مواجهة جبهة محمود حسين استنادًا إلى تأييد عدد من المكاتب الإدارية وعدم اشتباكه في الخلافات الداخلية للجماعة وما يملكه من أوراق تحوزها جبهة لندن وأهمها دعم رموز التنظيم الدولي، من المستبعد تحقيق تفوق يساعده على حسم صراع القيادة العامة لصالحه.
ومن المرجح أن يراوح الصراع بين الجبهتين مكانه داخل حيز نفي إحداهما شرعية قيادة الأخرى وإثباتها لنفسها واتخاذ ما يلزم من خطوات إجرائية وإصدار بيانات للترويج لزعم مفاده أنها الجهة الشرعية الوحيدة وما دونها كيانات غير شرعية. وكان آخر إجراء اتخذه إبراهيم منير قبل رحيله حلّه للأمانة العامة للتنظيم لإقصاء محمود حسين وتشكيل لجنة خاصة لإدارة الجماعة، وقابل ذلك ما أعلنه فصيل إسطنبول من تعليق لعضوية منير بالجماعة، فلم يعد يمثلها. وشارك جميع قادة الإخوان بمختلف الجبهات المتصارعة في وصولها إلى هذا المستوى من التفكك بالنظر إلى قلة الخبرات السياسية والفساد وسوء الإدارة، وليس هناك وسيلة تكسب بها جبهة ما شرعية القيادة فارضة نفسها على الجميع سوى تحقيق تغيير ملموس وحل أزماتها المعقدة. ويصعب على صلاح عبدالحق ومحمود حسين تحقيق إنجاز في حل أزمات الإخوان المتعلقة بفك عزلتها والتخفيف من تداعيات نبذها عربيًا.
واعتادت القيادات تعويض العجز عن تغيير أوضاع الجماعة إلى الأفضل وتحقيق تقدم في ملفات المحبوسين والهاربين والملاحقين قضائيًا وغيرها بالتركيز على مشكلاتها الداخلية. ودأبت هذه القيادات على تكرار محاولات رأب الصدع وفرض واقع يرفضه المنافسون والفرقاء، وربما تظل الجماعة لوقت طويل معزولة ومنكفئة على صراعاتها الداخلية. ولا يمتلك عبدالحق المزيد من الفرص لإنجاح مخططات جبهته السابقة في التسلل إلى المشهد المصري عبر المناورة بدعوات الحوار وتقديم تنازلات، حيث بذل إبراهيم منير محاولات عديدة من دون إحراز نتائج إيجابية. وفقدت الخطة المخادعة لهذا الفصيل والقائمة على الظهور بمظهر الضحية والزاهد في السلطة بريقها وجدواها بعد أن ثبت تعارضها مع نوايا الجماعة وأهدافها الخفية. ولم تعد الأجهزة المصرية تفرق منذ عام 2013 بين أجنحة الإخوان ولا تعتدّ بتوصيفات المعتدل والقطبي التي كانت شائعة قبل هذا التاريخ، وصار هناك تصنيف موحّد لكل من يثبت انتماؤه للجماعة لو كان محسوبًا في السابق على ما يسمى بـ”جناح الحمائم”، وهو الانتماء لجماعة إرهابية.
وتواجه عاصم عبدالحق تحديات كبيرة في سياق خطة البناء على المجهودات السابقة لإبراهيم منير فيما يتعلق بتعويض الهزائم والانتكاسات في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عبر تعزيز الحضور وتكثيف النشاط في بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. وتعترض خطط دعوة المزيد من المسلمين في الغرب لاعتناق أيديولوجية الإخوان والمشاركة في أنشطتها وأهدافها إجراءات أمنية وقانونية وتشريعية اتخذتها بعض دول أوروبا للحد من نفوذها ولتقليص قبضتها على المجتمعات المسلمة في الغرب. وعكست اللهجة الاحتفالية التي صيغ بها بيان جبهة لندن بشأن تسمية صلاح عبدالحق كقائم جديد بأعمال المرشد ما يعانيه التنظيم من انفصال عن الواقع، حيث أتت الخطوة متأخرة بعد فشل استمر لأشهر في التوافق على قائد عام يوحّد جبهات الجماعة. ولم توحّد الخطوة التنظيم، فصلاح عبدالحق قائد لجبهة ضمن جبهات عدة متنازعة، ما يعني أن الجماعة تتسم حركتها بالبطء الشديد وغير قادرة على مجاراة التطورات المتسارعة في الإقليم.
وعجزت جماعة الإخوان عن خلق صيغة تنظيمية توافقية توحد تصوراتها وأساليب تعاطيها مع الواقع الإقليمي المتغير في وقت تجاوزت فيه الأحداث الجماعة بالنظر إلى التطورات الكبيرة في ملف تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر أو ما يتعلق بالاتفاق بين السعودية وإيران. ويؤثر ما يجري في الإقليم بشكل مباشر على طيف الإسلام السياسي السني والشيعي، وفي مقدمته جماعة الإخوان التي دأبت على اللعب في مساحة الخلاف بين تركيا وإيران من جهة، والدول العربية الفاعلة من جهة ثانية. ويرسم الاستغناء الإقليمي عن خدمات الإخوان وانكفاء الجماعة على صراعاتها الداخلية الخطوط العريضة لمستقبل الإسلام السياسي في المنطقة. وقد تستمر الصراعات والخلافات بين قائدي جبهتي لندن وإسطنبول ومهما كانت نتيجتها فالأضرار الجسيمة التي ألحقتها بالجماعة ستظل لفترة طويلة تمنعها من توحيد رؤاها حيال التطورات المتسارعة. وتحتاج جماعة الإخوان إلى أكثر من توحيد جبهاتها المتنازعة، فهي تفتقر إلى الرؤية والتصور الموحد لتمثيلها بقوة وزخم في المشهدين المحلي والإقليمي، ولن يعتد أحد بجماعة متشرذمة لها أكثر من رأس وأكثر من أيديولوجيا وأكثر من خطاب في التعاطي مع الواقع. وبصرف النظر عن اسم من جرى تصعيده زعيمًا لإحدى أجنحتها فالجماعة مهددة بالمزيد من العزلة وقد تصبح ذكرى من الماضي، طالما ظلت عاجزة عن التماسك، وهو الضامن الوحيد لجعلها قادرة على مواكبة ما يجري في العالم.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article