86 :عدد المقالاتالخميس8.4.2021
 
 

 

الصحافة العربية :

36 - التوازن بين الأضداد: سياسة أميركية مستمرة!(مجلس التعاون وإيران)(د.صبحي غندور/راي اليوم)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí


تتميّز السياسة الخارجية الأميركية في مجال العلاقات مع الدول والجماعات بالحرص على اعتماد التوازن بين “الأضداد” في البلد نفسه، أو في الإقليم الجغرافي المشترك. ففي هذا الأسلوب، يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من حاجة كلّ طرف لدعمٍ أميركي ضدّ الآخر، ومن التنافس الذي يحصل بين الأطراف المتناقضة على خدمة المصالح الأميركية. أيضاً، فإنّ هذه السياسة تسمح لواشنطن بتهديد طرفٍ ما أو الضغط عليه من خلال الطرف المحلّي أو الإقليمي الآخر دون الحاجة لتورّط أميركي مباشر. ولعلّ أمثلة كثيرة توضح هذه السياسة الأميركية التي يسير عليها صانعو القرار الأميركي لعقود طويلة، بغضِّ النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو عن الشخص الحاكم في “البيت الأبيض”. فواشنطن مثلاً أقامت علاقاتٍ جيّدة جدّاً مع الصين في فترة “الحرب الباردة” لتعزيز الانقسام في “المعسكر الشيوعي” بين موسكو وبكين، ثمّ احتفظت بهذه العلاقات الخاصّة مع الصين رغم سقوط الاتحاد السوفييتي... وهكذا نجد سياسة أميركية في شرق آسيا مع عدّة دول متباينة، ومتصارعة أحياناً، لكن كلّها تنشد علاقة خاصّة جيّدة مع واشنطن، بما فيها دول اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وفيتنام وغيرها.
وربّما سنشهد قريباً حالة مشابهة من “التوازنات الأميركية” في منطقة الخليج العربي ومحيطها، بحيث تعزّز واشنطن علاقاتها العسكرية والأمنية مع بعض دول “مجلس التعاون” في الوقت نفسه الذي تسعى فيه واشنطن الآن للعودة للإتفاق الدولي مع إيران، إضافةً إلى الحرض الأميركي على استمرار تركيا في عضوية “حلف الناتو”، رغم الخلافات الأميركية مع سياسات أردوغان، ورغم ما بين دول هذا الإقليم الجغرافي (الخليج العربي والشرق الأوسط) من تباينات وصراعات أحياناً. وعلى صعيد الدول العربية، نجد واشنطن تمارس سياسة “التوازن بين الأضداد” داخل بعض هذه الدول حتّى في مسائل محلّية داخلية. فواشنطن تدعم “إستقلالية” إقليم كردستان في العراق، كما هي تؤكد دعمها لرئيس الحكومة العراقية وللسلطة المركزية في بغداد، وهي تتواصل أيضاً مع جماعات سياسية محلية في وسط العراق وغربه. فالأطراف العراقية المتباينة فيما بينها، تتفق على الحاجة لترتيب علاقات جيدة مع الولايات المتحدة! عِلماً أنّ واشنطن هي من أطلقت، بعد غزوها للعراق عام 2003، تعبير “المثلّث السنّي/الشيعي/الكردي”، وهي التي فكّكت الجيش العراقي الواحد، وهي التي أقامت حدود إقليم كردستان منذ العام 1991 تحت مبرّر “منطقة الحظر الجوي”، وهي التي دعا فيها الرئيس جو بايدن، حينما كان عضواً في مجلس الشيوخ، إلى تقسيم العراق، وهذا ما طالب به أيضاً في الماضي بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، وكان لعددٍ منهم علاقاتٌ خاصّة جداً مع إسرائيل و”اللوبي الصهيوني” في أميركا!.
مثالٌ آخر عاشته السياسة الأميركية في مصر، قبل التغيير الذي حدث في تموز/يوليو 2013، حيث كانت السياسة الأميركية هناك تعتمد على “ثلاثيّة” مصرية متباينة لكن تربط أطرافها جميعاً علاقاتٌ خاصّة مع واشنطن. فواشنطن التي شجّعت على حكم “الأخوان المسلمين” في مصر، خلال فترة الوزيرة هيلاري كلينتون وسفيرتها في القاهرة، وأقامت علاقات جيدة مع الرئيس السابق محمد مرسي، كانت أيضاً تحتفظ بعلاقات قويّة جدّاً مع المؤسسة العسكرية المصرية، منذ توقيع “معاهدات كامب ديفيد”، وكانت أيضاً تدعم بشكلٍ واسع “التيّار الليبرالي” في مصر ومؤسّسات مدنية عديدة مناهضة لحكم “الأخوان” ولأيِّ دورٍ سياسي للمؤسّسة العسكرية. فقد كان من مصلحة واشنطن الحرص على التوازن في العلاقة مع هذه “الثلاثيّة” المصرية، واستخدام بعضها كأداة ضغط ضدّ الآخر في حال الاختلاف مع واشنطن، إضافةً إلى أنّ واقعاً سياسياً مصرياً قائماً على التناقضات لن يسمح بقيام دولة مصرية مركزية، ولا بالقدرة على التحرّر من شروط “المعاهدات” مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولا طبعاً بالقدرة على لعب دورٍ إقليمي لا ترضى عنه واشنطن.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article