58 :عدد المقالاتالجمعة26.4.2024
 
 

 

الصحافة العربية :

21 - حمولة زائدة على قطر وتركيا وعلى المشروع الوطني الفلسطيني(أوس أبوعطا)(العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

- مؤسف ما أحاق بحركة حماس وقيادتها. هذه القيادة السياسية التي خرجت من الوطن برغبتها وألقت بنفسها على العواصم العربية والإسلامية التي صارت تتململ منها وتحسّ بعبء وجودها الذي لانهاية له - الطريق معبد.. إلى التهلكة:
في الفاتح من يوليو قبل ثلاثين عاما، عاد الرّئيس الشّهيد ياسر عرفات إلى أرض الوطن. تلك العودة كانت الإجابة الواضحة عن سؤال وجه له عند خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد الحصار، حين سأله أحدهم: “إلى أين يا أبوعمار”؟ فرد ياسر عرفات: “إلى فلسطين”. وفي عودته بعد اتفاق أوسلو، توجه عرفات فور وصوله إلى قطاع غزة، إلى ساحة الجندي المجهول تحديدا، حيث احتشد عشرات الآلاف لاستقباله، قبل أن ينتقل إلى مخيم جباليا الذي انطلقت منه الانتفاضة، وقال هناك: “لنتحدث بصراحة، قد لا تكون هذه الاتفاقية ملبية لتطلعات البعض منكم، ولكنها كانت أفضل ما أمكننا الحصول عليه من تسوية في ظل الظروف الدولية والعربية الراهنة”. وفي تصريح آخر “يلي عنده اعتراض على أوسلو أنا عندي مية (مئة) اعتراض”.
وهناك قول فلسطيني منتشر: “من لديه اعتراض على أوسلو فليتفضل ويأتي بأفضل منه”. لست هنا في معرض الحديث عن اتفاق أوسلو وإيجابياته وسلبياته إذا كان من أقرّه قد اعترض عليه، وطالما استعاد عرفات رحمه الله صلح الحديبية في عهد الرسول الكريم، ولكن هذا يثبت عمق الدبلوماسية الفلسطينية ورغبتها بالانفكاك من الوصاية العربية على الفلسطينيين، وتجسيد الوطن على الأرض مهما كان الثمن، هذا الوطن الذي يعمره ويبنيه شبابه ورجاله، فماذا تعني أرض فلسطين دون شعبها وماذا يعني المسجد الأقصى دون معتكفيه وكنيسة القيامة دون مصليها؟ من المؤسف حقا ما أحاق بحركة حماس وقيادتها السياسية، هذه القيادة التي خرجت من الوطن برغبتها، وألقت بنفسها على العواصم العربية والإسلامية، تلك العواصم التي صارت تتململ منها وتحسّ بعبء وجودها الذي لا نهاية له، هذا الوجود الذي أضحى إستراتيجية وليس تكتيكا، ومن الواضح أنّه دائم وليس مؤقتا. ورغم كل الضغوطات لا يبدو أن حماس اتخذت قرارا حاسما بالعودة إلى الوطن، مهما كلفها هذا القرار، وأن تنصهر في البوتقة الوطنية الفلسطينية وتتخلى عن مشاريعها الذاتية، وأن تتحلى بجرأة وشجاعة ياسر عرفات. لكن هل فكرت قيادة حماس في اليوم التالي بعد صفقة الرهائن؟ لا شيء يشير إلى ذلك.
ومن الملاحظ أيضا بعض التغيرات الطارئة على القيادتين القطرية والتركية، بعد تشديدهما على ضرورة التمثيل الفلسطيني الواحد والموحد. والتصريحات التي تظهر منها بشكل واضح الرغبة في التخلص من الوجود الحمساوي الذي بات ثقيلا على كليهما، والدولتان تتقاذفان القيادة الحمساوية. تعيش حماس محاطة بأكثر من مأزق.. مأزقها في غزّة ومأزق قيادتها في الخارج ومأزق مستقبلها الذي ستفصّله أميركا على مقاس إسرائيل عبر الوسطاء. لا تستطيع قيادة حماس القبول باتفاق يخلط الترتيبات العسكرية المعدّة لاجتياح رفح، والذي بدا من خلال تخفيف الضغط السكاني الفلسطيني في رفح والسماح لأهالي خان يونس بالعودة إلى منازلهم المدمرة، وتزويد أميركا لإسرائيل بـ200 قنبلة ذكية، وتقسيم رفح لقطاعات وغيرها من الخطط التي صرح بها قادة الجيش الإسرائيلي. اليوم القيادة الحمساوية بتعنتها هذا تفرض على نفسها والشعب الفلسطيني أمرين أحلاهما مر. فلو فرضنا لا قدر الله، تمكنت إسرائيل من الوصول إلى الرهائن، فكل شيء محتمل، فستكون كارثة الكوارث ومصيبة المصائب، ولكن لو فرضنا أيضا أن إسرائيل لم تتمكن من الوصول إلى الرهائن، ستدمر رفح وستحصل الكثير من المجازر ويكون حالها كحال أخواتها في قطاع غزّة، وهذا أمر لا ريب فيه.
وهذا سيكون كما يقول المثل العربي الدارج “منى عين الإسرائيليين”، وأكبر خدمة تقدمها حماس لليمين الإسرائيلي ولبنيامين نتنياهو تحديدا، بعد انقلابها في صيف 2007 وغزوتها في أكتوبر، خاصة بعد تزايد المطالبات باستقالة نتنياهو بعد استقالة بعض المسؤولين الإسرائيليين مؤخرا. وهذا يدل على أن لا جدية لإجراء تغيير حقيقي ولا حتى مجرد إصلاح ملموس في سياسات الحركة، وإنما هو الإصرار على بقاء القديم رغم انتهاء صلاحيته، ما يعكس استمرار السياسات التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى الكارثة التي يعيش فيها إلى ما شاء الله. كل ما تقدم يدفعنا لاستذكار الكثير من القيادات التي أودت بنفسها وببلدانها وبشعوبها إلى التهلكة، كصدام حسين على سبيل المثال لا الحصر، فالنهاية أضحت واضحة ومحتومة، وبالرغم من كل ذلك ترفض قيادة حماس أن توجه البوصلة لفلسطين وتقدم واجباتها تجاه شعبها وقضيتها، لا أن تقدم التنازلات لكي ترضى عنها الدول المضيفة، هذه الدول التي تتعامل مع حركة حماس وكأنها حمولة زائدة يجب التخلص منها، وهذا يبدو أنه سيكون في المستقبل القريب ضرورة وطنية لا بد منها.
**********************************
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article