50 :عدد المقالاتالجمعة7.5.2021
 
 

 

الصحافة العربية :

34 - روبرت مالي مرحبا(علي الصراف/العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí


بما أنك في فيينا من جديد في إجازة نسبية من “واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز”، فمرحبا. لقد كنتَ على الدوام مفاوضا بارعا، وحافظ أسرار أبرع، وخدمتَ إدارتك الديمقراطية في عهدين، كما خدمت إيران في عهد واحد (لا يوجد غيره من الأساس). ولستُ ممن يمكنه أن يُحملك مسؤولية أكبر مما تُكلف به. فأنت تنفذ رغبات مستشار الأمن القومي الذي ينفذ بدوره رغبات رئيسه. ولكنك واحد ممن يحيطون إحاطة كاملة بالملف الإيراني. ويمكنك على هذا الأساس أن تقدم تصورات وأفكارا خاصة بك. أنت لست روبوتا قطعا. ولا وسيط خير ينتظر ثوابا من رب العالمين. أنت تنتظر ثوابا من رئيسك، ورئيسك المقبل. وبالمعنى الشخصي، فأنت جدير بفضل وفائك أن تُثاب. ولكن لدي بضعة أسئلة أتمنى أن يتسع صدرك لها. (ولا أقول أن تنقلها إلى إدارتك، فأنت حائط أصم من هذه الناحية).
إيران “أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”، بحسب تصنيف الولايات المتحدة، أليس كذلك؟ وفقا لأي معنى تخطط إدارة الرئيس جو بايدن، بفضل ما تقوم به من مفاوضات، أن تُيّسر لها الأموال؟ وإلى أين ستذهب؟ هل يمكنك أن تكون على يقين تام بأن ما سوف تحصل عليه إيران من أموال لن ينتهي إلى تنظيمات من قبيل حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن وعصائب أهل الحق في العراق وغيرها من ميليشيات؟ ولا شك أنك تعرف ما هي روابط إيران بتنظيم القاعدة؟ أم أنك لا تعرف؟ دعك من هذا على أي حال لأنه يمكن أن يؤدي إلى تقليب الكثير من المواجع. ولكن، هل تخلت إيران عن أعمال الإرهاب؟ هل قدمت دلائل تثبت عزمها على أن تكف عن ممارستها؟ وهل نجحت أنت في أن تجعل عدم القيام بأعمال إرهاب جديدة شرطا للوفاء بتعهدات الاتفاق النووي من جانب الولايات المتحدة؟ لا أظن أنك كنت تفكر بذلك أصلا. ليس لأنك أعمى وليس لأنك لا تعرف ما ترتكبه إيران وميليشياتها من أعمال، بل لأنك لا تريد أن ترى. هناك ثقب واحد تنظر منه إلى إيران وتعتقد أن هذا الثقب كاف لكي يقدم لك الصورة كاملة.
هل تريد أن أزودك بقائمة بالأعمال الإرهابية التي نفذتها إيران، ليس خلال العقود الأربعة الماضية، فوقتك لا يسمح بمطالعة مقال قد يبلغ طوله 20 كيلومترا، ولكن هل تريد أن أزودك بقائمة تقتصر على أعمال الإرهاب التي نفذتها إيران وميليشياتها منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015 حتى الآن؟ قبل ساعات فقط أطلقت ميليشيات إيران في العراق صواريخ جديدة على إحدى القواعد الأميركية في بغداد. وأحسب أن لديك عروقا يجري فيها دم يمكن أن يغلي، أم أنه بارد لسبب ما؟ هل يمكن لروبرت مالي أن يكون على يقين بأن ما سوف تحصل عليه إيران من أموال لن ينتهي إلى تنظيمات من قبيل حزب الله والحوثي وعصائب أهل الحق وغيرها من الميليشيات؟ هل يمكن لروبرت مالي أن يكون على يقين بأن ما سوف تحصل عليه إيران من أموال لن ينتهي إلى تنظيمات من قبيل حزب الله والحوثي وعصائب أهل الحق وغيرها من الميليشيات؟ بمعنى آخر، فإنك تستطيع أن تلاحظ أن توقيع ذلك الاتفاق المشؤوم شجع إيران على ارتكاب المزيد من تلك الأعمال، أو في الأقل، فإنه لم ينجح في وضع حد لها. ولكن هل تعرف لماذا؟
أعتقد أنك خبير بالشؤون الإيرانية. فهل تعرف لماذا ظلت إيران تمارس أعمال الإرهاب؟ سوف أختصر لك الجواب الذي لا تريد أن تسمعه، وهو أن الإرهاب جزء من طبيعة النظام الذي كنت وما تزال تتفاوض معه. ومثلما وقعت اتفاقا سابقا، فأنت تعرف أن عشرة اتفاقات أخرى مماثلة لن تؤدي إلى تغيير تلك الطبيعة. لأنها تجري في مفاصل وممرات وخلايا سلطة الولي الفقيه مجرى الدم في العروق. لا شك أنك واقع في غرام ابتسامات صديقك محمد جواد ظريف. فهو ظريف فعلا. ولكن تعرف أيضا أنه يمثل الوجه الناعم لنظام الولي الفقيه، بينما يمثل الحرس الثوري الإيراني الوجه الآخر. تقليديا يقال “وجهان لعملة واحدة”. أحد هذين الوجهين على الأقل هو منظمة إرهاب، ليس بحسب التصنيف الأميركي (الذي هو عبارة عن ممسحة لا قيمة حقيقية لها)، وإنما بحسب وقائع الأعمال. هل لديك شك في ذلك؟ إذا لم يكن لديك شك، فهل بوسعك أن تنظر أين تقف قدماك الآن؟ إنهما تقفان في جوف فراغ لا يؤدي إلا إلى الجحيم. لأن الأموال التي تزمع إدارتك أن توفرها لإيران سوف يذهب القسط الأعظم منها لخدمة هذا التنظيم الإرهابي، بل ولخدمة آلة القمع الوحشية التي أدت إلى استباحة دماء الآلاف ثم الآلاف من أبناء إيران الذين احتجوا على استبداد سلطتهم.
قصة “حقوق الإنسان” التي تصدع بها الولايات المتحدة رؤوسنا كل يوم، قصة طريفة حقا. نحن نستمتع بها مثلما نستمتع بمشاهدة أفلام الكارتون. ونعرف أنها قصة نفاق ممتع. سوف تقول إن هذا لا علاقة له بالاتفاق النووي. أعرف ذلك. ولكن رفع العقوبات عن نظام يمارس انتهاكات بشعة ضد حقوق الإنسان شيء لا بد وأن يكون له معنى. ما هو هذا المعنى؟ سوف أوفر عليك الجواب. كل مواطن في العالم العربي يعرفه، وهو أنكم تستخدمونها كأداة من أدوات الدجل فحسب، وسوف يزداد الأمر وضوحا بفضل الجهود الممتازة التي تقوم بها أنت من أجل المساعدة في تغذية آلة القمع في إيران. ولكن، لو جاز أن تضع نظام إيران في كفة ونظام كوريا الشمالية في كفة أخرى، فأيهما أكثر خطرا على الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها؟ لا بد أنك تستطيع أن تلاحظ أن نظام بيونغ يانغ لا يتحكم بمصائر أربع دول في الجوار عن طريق ميليشيات إرهاب. لا بد أنك تستطيع أن تلاحظ أن عقيدة نظام بيونغ يانغ دفاعية إلى أقصى حد، بينما عقيدة نظام إيران التي تبيح له التدخل في شؤون الدول الأخرى، عدوانية إلى أقصى حد. كما لا بد أنك تستطيع أن تلاحظ أن نظام بيونغ يانغ يلتزم بالمعايير الدولية المتعلقة بحسن الجوار، بينما لا يلتزم بها نظام طهران. لا بد أنك تلاحظ الآن أن الرياض تتعرض لهجمات صواريخ إيرانية، بينما تنعم سيئول بالأمان.
ولو حدث أن هاجمت صواريخ كوريا الشمالية أو طائراتها المسيّرة معامل سامسونغ، لكانت الدنيا قامت ولم تقعد، ولكنك تعرف أن صواريخ وطائرات إيران المسيّرة هاجمت منشآت أرامكو. أنت تعرف ذلك، ولكن وفدا من بلادك يأتي إلى المنطقة لكي يقنع قادتها بقبول اتفاق نووي لا يأخذ بالاعتبار هذا التهديد، ولا يقدم ضمانات بمنعه. لقد حدث أن إدارتك السابقة تجاهلت هذا الأمر. وتفرض عليك إيران الآن مرة أخرى أن تتجاهله لأنها تتخذ من ذلك الاتفاق المشؤوم سابقة لها. نحن نعرف أنكم حريصون على فكرة “عدم الانتشار النووي”. هذه الفكرة منتشرة بما يكفي لخلق انطباعات متضاربة. فمن ناحية تريد الولايات المتحدة أن تضمن بقاء إيران في وضع دفاعي يقع في حدود الأسلحة التقليدية. ومن ناحية أخرى فإنكم تقصدون طبعا توفير الحماية لإسرائيل، لأنكم ملزمون بأمنها. ولكن لحظة من فضلك. هذه الفكرة غبية من هاتين الناحيتين معا. فإيران تعرفها وتمتلك بدائل متينة لها. وهي ليست بحاجة أصلا إلى أسلحة نووية لأنها تمتلك أسلحة دمار شامل من أنواع أخرى. واتفاقك النووي غبي لأنه لا يأخذ هذا التهديد بنظر الاعتبار.
أما إسرائيل فلا تخاف من امتلاك إيران أسلحة نووية كما تخافون أنتم. وهي تعارض الاتفاق النووي لأنه يزيل جانبا واحدا من الخطر ويدعم من الناحية العملية المخاطر الأخرى. أما نحن فنعرف أن إيران شكلت من الخطر ما يعادل إلقاء عشرين قنبلة نووية، بما انتهى إليه العراق وسوريا ولبنان واليمن من الخراب والفساد وأعمال القتل والتهجير. ابق وفيا لإدارتك. ابق وفيا لكل غباء الكرة الأرضية الذي لم يجتمع في مكان كما اجتمع تحت إدارة الرئيس بايدن. فعلى مقدار وفائك تُثاب.

Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article