55 :عدد المقالاتالسبت14.5.2022
 
 

 

الصحافة العربية :

19 - شهداؤنا خط أحمر يا خلفان(علي الصالح)(القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

أسابيع عديدة وأنا متغيب عن كتابة «مقال السبت» وسبب هذا التغيب ليس إجازة ترفيهية، وإنما فيروس كوفيد 19 ، الذي ألزمني فراش المستشفى لأسابيع عديدة، ومن ثم فراش النقاهة لاسابيع أخرى، وما أزال. ولن أدخل بتفاصيل المرض، ولكن كل ما يمكن أن أقوله هو، أبعده الله عنكم وحماكم ومحبيكم من هذا الفيروس اللعين. ولسوء حظي أن أعود إلى الكتابة بخبر استشهاد إحدى أبرز مراسلي قناة «الجزيرة» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الصحافية المخضرمة شيرين أبو عاقلة رحمها الله، برصاصة غدر أطلقها جندي إسرائيلي احتلالي حاقد كغيره من زملائه على كل ما هو فلسطيني، وهي تغطي مواجهات صباح يوم الأربعاء الماضي، بين رجال المقاومة وجيش الاحتلال في جنين مدينة الصمود ومخيمها، اللذين أصبحا هدفا يوميا لجيش دولة الاحتلال لغرض كسر شوكة المقاومة في هذه المدينة التي لم تركع أبدا، ولقنه مقاوموها في أكثر من مناسبة دروسا لن ينساها، لاسيما خلال عملية إعادة احتلال الضفة الغربية عام 2002 أو ما يطلقون عليها عملية «السور الواقي»، وقُتل العشرات من جنوده وجُرح العشرات أيضا إن لم يكن المئات. وأيضا بسبب حماوة تلك الضربة التي هزت هيبة جيش الاحتلال.
والشيء بالشيء يذكر، أن دولة الاحتلال لا تزال تمنع عرض فيلم «جنين جنين» للمخرج الفلسطيني محمد البكري حول معركة مخيم جنين. وما زاد من الغضب ردود الأفعال المتواطئة، رغم أنها متوقعة من حكومات العالم، خاصة الأمريكية والأوروبية. صحيح أن انتقاداتي لن تكون مستهجنة ولا غريبة عن الدول الغربية ووسائل إعلامها حول الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال يوميا ضد الفلسطينيين عموما وإعلامه وصحافييه وناشطيه، ولا أتحدث عن رجال المقاومة، ولكنها تبقى في غاية الأهمية، صحيح أن الاتحاد الأوروبي أدان جريمة القتل البشعة، ودعا «إلى إجراء تحقيق فوري وشامل، ومحاسبة المسؤولين، إذ ينبغي عدم استهداف العاملين في وسائل الإعلام»، لكن رد فعله لا يرتقي إلى فرض إجراءات عقابية. يذكر أن نحو 55 صحافيا فلسطينيا استشهدوا منذ عام 2000 والفلسطينيون يقولون إن العدد أكبر. ولم يحصل أن قدم للمحاكمة جندي إسرائيلي واحد، وإن «حصلت «المعجزة» فإنها تنتهي بنهاية ونتائج مخزية.. وكرر الاتحاد الأوروبي مقولته الشهيرة: الاستيطان يتعارض مع القانون الدولي ويهدد حل الدولتين» وهو مصطلح لا معنى له ما دامت لا تزال في طور الأقوال. والغرض من مواصلة الضغوط هو التأكيد على عدم رضانا عن هذه المواقف المائعة، بل ورفضنا لها طالما لم تنتقل من الأقوال إلى الأفعال. ولن يتحقق ذلك إلا بمواصلة هذه الضغوط بكل الأشكال وتنفيذ قرارات المقاطعة.
يذكر أن نجم المسلسل البريطاني الشهير «Game of the Thrones» (صراع العروش) الإيرلندي ليام كانينغهام، قدم تعديلًا على العنوان المشين والمخزي الذي يشكل وصمة عار على جبين الصحافة العالمية لصحيفة «نيويورك تايمز»، يقول عنوان الصحيفة «وفاة أبو عاقلة عن عمر يناهز51 عاما»، وزاد عليها جملة «وتم اغتيالها من قبل قنّاص إسرائيلي وهي ترتدي سترة الصحافة». أما واشنطن العاصمة فاكتفت في رد فعلها على هذه الجريمة البشعة، باعتبارها «حدثا مؤسفا»، وطالبت بالتحقيق دون المطالبة باتخاذ أي إجراءات عقابية ضد دولة الاحتلال. واكتفت «الدبلوماسية الأمريكية لشؤون فلسطين بنشر «تعازينا الحارة في وفاة الصحافية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، التي كانت معروفة لنا ولجميع الفلسطينيين، رحمها الله». وأما السفير الأمريكي لدى إسرائيل توم نيديس: فقال إن شيرين أبو عاقلة، مراسلة الجزيرة التي قُتلت أثناء تغطيتها مداهمة عسكرية إسرائيلية لمخيم جنين، تحمل الجنسية الأمريكية. وكتب نيديس على تويتر: «أحزنني كثيراً خبر مصرع «وليست جريمة اغتيال» الصحافية الأمريكية الفلسطينية، وأطالب بإجراء تحقيق شامل في ملابسات مقتلها». أما بريطانيا فيتواصل الزيف والنفاق بنشر صورة تزعم فيها بأنها صورة لجندي روسي يطلق النار على أوكراني من الخلف، ولكنها لم تنشر كخبر عاجل صور إطلاق جندي الاحتلال الرصاص من الخلف على الصحافية الفلسطينية المخضرمة شيرين أبو عاقلة. وقالت باريس بعد ادانتها للجريمة أن فرنسا تطالب بإجراء تحقيق شفاف في أقرب وقت مبكر، وتجدد التزامها الثابت والحازم من أجل حرية الصحافة وحماية الصحافيين وجميع الذين يسهم تعبيرهم في نقل المعلومات الحرّة وإحياء النقاش العام في جميع أنحاء العالم.
وأخيرا فإنني اضطررت للرد على تصريحات لنائب رئيس شرطة دبي ضاحي الخلفان تميم حول استشهاد أبو عاقلة، رغم أنني عاهدت نفسي غير مرة بانني لن أنزل إلى المستوى الذي وصل هو إليه، خاصة في ما يتعلق بفلسطين والقضية الفلسطينية ودعوات التطبيع مع دولة الاحتلال، التي ازدادت بعد توقيع دولة الإمارات على اتفاق مع إسرائيل بضغط من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وجرّ وراءه أيضا المغرب والبحرين وفي انتظار السودان الموافق من حيث المبدأ، فنحن هنا لا نتحدث عن موقف سياسي تتفق فيه المواقف وقد تختلف، بل عن صحافية فقدت حياتها في سبيل مهنتها برصاص جنود الاحتلال. وكانت من أبرز مآخذ المنتقدين «للفريق ضاحي خلفان تميم» المعروف بمواقفه المثيرة للضحك، اعتباره كما ذكرت صحيفة «القدس العربي» أن التطبيع خيار استراتيجي وأن أمن إسرائيل جزء من أمن المنطقة. وقال في إحدى تغريداته «البعض يشتمني بسبب التطبيع مع إسرائيل، رأيي الشخصي أن التطبيع مع إسرائيل صح «100%». وأضاف مباشرة: «إسرائيل دولة في المنطقة أمنها من أمن المنطقة»! وسبق للفريق ضاحي خلفان، أن طالب بالقضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مدعياً أنها المسؤولة عن تصعيد المواجهات مع «إسرائيل». كما أنه ادعى أن السلع التركية والإيرانية مغشوشة، مقابل الترويج للبضائع الإسرائيلية.
كما هلل الفريق ضاحي خلفان المسؤول الأمني الإماراتي المقرب من حاكم أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، في وقت سابق، لخطاب الرئيس الإسرائيلي رِؤوفين ريفلين، ودعا أفراد شعبه لاحترامه. وترجى خلفان كل مواطن إماراتي إعادة كلمة الرئيس الإسرائيلي الترحيبية بسفير أبوظبي التي ألقاها بمناسبة تقديم أوراق اعتماده. ولنسمح له بمثل هذه المناكفات السياسية والأقوال على اعتبار أنها تأتي في سياق الخلافات السياسية وهذا من حقه. ولكن هذا الفريق ضاحي خلفان الذي أصبحت تغريداته مضحكة، صار يشكك في صفحته الموثقة رسميا في موقع تويتر قائلا، «حتى بإعدام شيرين أبو عاقلة»، ورغم ذلك فلا يجوز أن «نسمح له بالتطاول على شهدائنا ورموزنا». فقد سبق وشكك حتى باستشهاد محمد الدرة الطفل الفلسطيني الذي قتلته رصاصة إسرائيلية غادرة في قطاع غزة في مطلع الانتفاضة الثانية عام 2002.. وقال سيدعون غداً أن شيرين أبو عاقلة على قيد الحياة».
صحيح انه في الماضي كان يروج للتطبيع ويضحك الناس والمغردين بأقواله، لكنه صار يتجاوز الخطوط الحمر ويتطاول على شهدائنا وقد تمس التغريدة التالية إذا ما فتحنا له المجال كبار رموزنا وشهدائنا. الرد على هذا الشخص يجب أن يكون حاسما وفاصلا. فهو كلما زادت التغريدات التي تتفاعل معه فإنها تفتح له المجال للإمعان في غيه وتطاوله. لذا يجب أن يكون الرد حاسما وواضحا وصريحا. وأختتم بقول لشاعرنا الراحل محمود درويش»: لأنك تسامحهم دائما لا يشعرون بأخطائهم ولأنك تبادر دائما ينسوا ولأنك مهتم كثيرا يهملوا أحيانا صفاتك الجميلة هي سبب مشاكلك.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article