68 :عدد المقالاتالاثنين14.6.2021
 
 

 

الصحافة العربية :

25 - هل ينحاز الله في المعارك فيحابي طرفا لإيمانه؟(سعد القرش/العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

- (هل ستكون “الشهادة”، من عضو بتنظيم الإخوان في سبيل الوطن؟ أو دفاعا عن حرمة “مواطنين مسيحيين”؟ - الجهاد مفهوم نسبي):
أظهرت الحرب الإسرائيلية على غزة، من بين ما أظهرت، محاولة كلا الطرفين الاستحواذ على الله، وتصدير خطاب يدّعي أنه سبحانه ينحاز إلى المظلوم، وينصر الحق الممثل للخير، ويحارب الظالم الشرير، فيستحق الهزيمة، جزاء وفاقا. بهذا الإلحاح على الاستئثار بالله، واختصاص كلا الفريقين به، يكون القارئ غير المنتبه قد تشوش، واختلط عليه الأمر، إذا فاته مصدر الكلام. ويمكن للقارئ الدؤوب أن يعيد قراءة خطاب ممثل جيش إسرائيل وخطاب الإخوان المسلمين، ليتأكد له أن حربا صغري دامت عشرة أيام، واستخدمت فيها صواريخ وآلات قصف وتدمير وتفجير. وأما الحرب الكبرى فمستمرة، وساحتها الإعلام التقليدي والشعبي في وسائل التواصل الاجتماعي، وتستهدف الإقناع والإلهاء معا.
في صفحة الإخوان الفيسبوكية خطاب يستلهم بداية المرحلة المدنية من عمر الرسالة، ويبشّر أنصار الجماعة بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير “يا معشر الإخوان المسلمين قد آن لكم أن تتركوا تمثيل دور الضحية، وأن تعودوا إلى شعار الدعوة الأول: الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا. الديمقراطية الشركية لن تأتي بالإسلام؛ لأن الديمقراطية تتعارض مع الإسلام في أصوله.. الحكم فيها للشعب والحكم في الإسلام لله.. والسيادة المطلقة فيها للشعب، والسيادة المطلقة في الإسلام لله”. ويقول آخر “الإخوان قاتلوا في حرب 1948، وقاتلوا في البوسنة والهرسك، وقاتلوا جيش الأسد في سوريا، وقاتلوا الاحتلال في لبنان، والآن يقاتلون في فلسطين”. الجهاد مفهوم نسبي، ويمكن لجماعة من المسلمين أن تدّعيه؛ لتسوّغ به شنّ الحرب على جماعة أخرى مسلمة. والمقاومة المسلحة للاحتلال يكفلها القانون والمواثيق الدولية. ولم يكن الجنرال شارل ديجول بحاجة إلى الانطلاق من نصّ في الكتاب المقدس، لكي يقاوم الاحتلال النازي لفرنسا. فلماذا الإصرار على مقولة أن الجهاد في الإسلام للدفاع عن النفس، وكأن غير المسلمين غير مسموح لهم بالتمتع بهذا الحق الإنساني. في “رسالة الجهاد” يقول حسن البنا “إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة… فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله”.
فهل ستكون “الشهادة”، من عضو بتنظيم الإخوان في سبيل الوطن؟ أو دفاعا عن حرمة “مواطنين مسيحيين”؟ لنترك محطة حسن البنا، ونصل إلى تلمود “معالم في الطريق” وفيه يقول سيد قطب “إن الذين يلجأون إلى تلمس أسباب دفاعية بحتة لحركة المد الإسلامي، إنما يؤخذون بحركة الهجوم الاستشراقية… المد الإسلامي ليس في حاجة إلى مبررات أدبية له أكثر من المبررات التي حملتها النصوص القرآنية -‘فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة..’. و’قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون’-“. يتغافل الإخوان عن ضحايا في فلسطين للاحتلال الإسرائيلي، ومنهم مسيحيون ويهود فلسطينيون ويهود أصوليون ضد إسرائيل؛ يرون قيامها تعجيلا بنهاية العالم. يتجاهل الإخوان الحقائق، ويلخصون فلسطين في قطاع غزة، وأكثرهم اعتدالا يرفض “جهاد” المستبدين المسلمين بالسلاح؛ لأن “الجهاد في سبيل الله يكون في فلسطين، ولا يكون الجهاد إلا ضد الكفار فقط، أما في بلاد المسلمين فالرسول أمر بالصبر، ونهى عن قتال الحاكم الظالم”. ولكن يوسف القرضاوي وسوس إليه شيطانه، بعد عزل محمد مرسي، فدعا المسلمين “من إندونيسيا وماليزيا ونيجيريا والسنغال وباكستان وبنجلادش والهند والصومال والعراق وإيران وليبيا وتونس وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وفي كل بلاد الدنيا” ليكونوا شهداء في مصر.
الإخوان والإسرائيليون كلاهما يستند إلى مفهوم الحق الإلهي، ويراهن على النصر. هذا إخواني يقول “العالم ضد أيّ حزب إسلامي وخصوصا الإخوان المسلمين لأنهم على حق”. وعلى الطرف الآخر يقف الصهيوني الفكاهي أفيخاي أدرعي، وهو ضابط في جيش العدو، ويشغل منصب الناطق باسم جيش الاحتلال باللغة العربية. ويحظى المقدم أفيخاي بمتابعة لافتة، ولا يردّ حتى على سباب موجه إليه، لأنه بمنطق لاهوتي يرى الحق مع إسرائيل، والله مع الحق والخير. في عشرة أيام من الحرب على غزة نشط الضابط فيخو وكتب “مرة أخرى صراع بين الخير والشر… لن نرضخ للإرهاب والغزيين”، بل استعان بالآية القرآنية “وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون”. لجأ فيخو إلى الاستعانة بخطاب إسلامي “إني أشهد الله. ونشهد أنه بريء منكم أيها المفترون! باسم الإسلام اعتديتم على أرض القداسة أورشليم (القدس). حسبي الله ونعم الوكيل، لسان حال كل غزاوي في هذه الأيام”. وأسعفه التذكير بحرمة أولى القبلتين وثالث الحرمين، والتسلح بآية “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا”. ودعا الله بالنصر “اللهم سدد ضربات الحقّ لتنصرها على الباطل. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى”. ومنعا لاختلاط الأمر على مسلم، فقد ألحق المقدم فيخو الآية بهذا الإيضاح “‏تتواصل ضربات ‫جيش الدفاع على مواقع حماس في قطاع غزة، ردّا على اعتداءاتها ضد سيادة إسرائيل”.
لا تنافس هزليات فيخو إلا ردود فعل على الطرف الآخر، تتوجه إلى الله أيضا، فيكتب مسلم غيور هذا التعليق في صفحة المقدم فيخو “‏‎اللهم بصوت جبروت قهرك، وبسرعة إغاثة نصرك، بحمايتك نحتمي بك، اللهم يا سميع يا قريب نسألك يا مجيب يا منتقم، يا سريع لا يعظم عليه هلاك، يا من لا يعجزه قهر، أن تجعل كيد كل من يكيد لنا في نحره، ومكر كل من يمكر علينا عائدا عليه، وانصرنا نصرا قريبا عليه، يا أرحم الراحمين”. ويتجاوب آخر فيرجع هوان المسلمين، وقلة حياتهم، إلى التفريط في دينهم، ويربط تحرير القدس بانفجار المسلمين “في وجوهكم بقبضة واحدة، لتختبئوا خلف الشجر”. هنا انتقال درامي من دعاء العاجز المستعين بالله، إلى خرافات تدعمها أحاديث ترسم ملامح للصراع في آخر الزمان، حيث تشتعل حرب دينية كونية ينتصر فيها المهدي على المسيح الدجال. وتثبت موسوعات إلكترونية، منها موقع الإمام ابن باز، هذا النص “يقاتل المسلمون اليهودَ فينصرون عليهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي تعال فاقتله”، رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين وغيرهما. وقد سمعت القرضاوي في محاضرة بجامعة القاهرة، نهاية الثمانينات، يقول “انتصرنا على اليهود في حرب رمضان (1973) حين قلنا: الله أكبر. وقد هزمونا في 1967؛ لأن شعارنا كان: وسيفنا يتحدى القدر”. رؤية منغلقة تهين جيشا وطنيا.
رؤية قرضاوية تتفق مع قول ليفي أشكول رئيس وزراء العدو “الله هو السبب في هذا الانتصار” في يونيو 1967، ولم يكن الجيش المصري أقل تقوى وإيمانا؛ فيكافئ الله المعتدين بالنصر. ما حدث هو إبعاد الجيش عن السياسة، وأعيد تنظيمه بشكل قتالي احترافي، ولم يرفع عام 1973 شعارا دينيا، ولم يفرّق العدو بين مسلم ومسيحي، وعبرت خمس فرق (نحو ثمانين ألف جندي) قناة السويس في أقل من ست ساعات. ولم ينخفض منسوب إيمان الجيش في بضعة أيام، لكي يمنح الله اليهود نصرا بالعبور العكسي من خلال الثغرة، اللهم إلا إذا كانت هزيمة المسلمين في غزوة أحد سببها شعار “سيفنا يتحدى القدر”.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article