0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

55 - الجولاني يعترف وتركيا تقر: لا نمثل تهديدا لواشنطن وحلفائها(هشام النجار/العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí


كشف التزامن بين الرسائل الموجهة مؤخرا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأبومحمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام إلى واشنطن وعواصم أوروبية عدة عن خطط لخلق فرص إعادة تموضع أنقرة في الأزمة السورية عبر طرح مشروع سلام يمكنها من استثمار الغرب في المناطق الآمنة بالشمال السوري. لم ينفك حديث زعيم هيئة تحرير الشام في سوريا أبومحمد الجولاني الأخير بشأن عدم تهديد حركته للولايات المتحدة وأوروبا عن مضمون رسائل الرئيس التركي التي يحث خلالها الولايات المتحدة وأوروبا على التعاون، كمنطلق لتحقيق أهدافه المعطلة في الشمال السوري وإزاحة ما يعيق التوفيق بين نظامه وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. الجولاني الذي يرغب في تقديم نفسه بمظهر عصري محاولا إزالة صورته النمطية كقيادي لتنظيم متطرف من أذهان الغرب وتقديم نفسه كلاعب سياسي معتدل، أكد خلال الحوار الذي أجرته معه صحيفة “فرونت لاين” الأميركية أن تنظيمه “لا يشكل أي تهديد أمني أو اقتصادي للولايات المتحدة والدول الغربية”، طارحا جملة تصورات ضمن محاولاته المتكررة لتبديد مخاوف الغرب من أهداف حركته وأفكارها وارتباطاتها.
استدارة تركية: ورقة يتم تحريكها على أكثر من صعيد ورقة يتم تحريكها على أكثر من صعيد. استند الحوار المنشور على الشبكة الأميركية وجرى تضمينه بوثائقي عنوانه “داخل سوريا الأسد” على مقابلة جمعت بين الجولاني والصحافي الأميركي مارتن سميث في إدلب عبر تركيا في فبراير الماضي، لكنها نشرت قبل أيام، وفيه طرح الجولاني نفسه بصفته لاعبا محليا معتدلا. وزعم الجولاني استحقاقه أن يكون طرفا في التسوية السياسية النهائية بسوريا وأن يُرفع اسم تنظيمه من قوائم الإرهاب الدولية، بالنظر إلى التحولات التي يجريها على مستوى الشكل والمضمون من خلال التغييرات التكتيكية التي تهدف للترويج للهيئة بوصفها كيانا سياسيا معارضا لحكومة دمشق، لا بوصفها فصيلا جهاديا متشددا معاديا للغرب. تزامن هذا التوجه مع تحركات تركية تحاول إعادة التموضع اصطفافا مع الولايات المتحدة والدول الغربية في الأزمة السورية، على خلفية شعور أردوغان بأن فشله في الوفاء بالتزاماته في الشمال السوري، وتحديدا في إدلب، من شأنه دفع روسيا بالتعاون مع الحكومة السورية إلى الانطلاق بقوة لتغيير المعادلات القائمة هناك على حساب المصالح التركية. وسبقت مطالبات الجولاني من واشنطن مراجعة مواقفها من حركته، مناشدات أطلقها الرئيس التركي لنظيره الأميركي والرؤساء الأوروبيين عبر مقال له نشرته “بلومبرغ” في منتصف مارس الماضي، عارضا على بايدن التعاون في الملف السوري لكبح روسيا وتصفية الحسابات معها، مشددا على أن السلام في سوريا يعتمد على الدعم الغربي القوي، على أمل تحقيق خططه الخاصة بإنشاء منطقة آمنة وإعاقة روسيا في إدلب.
وسعي هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية منذ العام 2013 لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية مرتبط بالترويج للاستدارة التركية باتجاه الغرب لتثبيت مكاسب أنقرة وتعظيمها في الشمال السوري، وبمساعيها بشأن إذابة الخلاف مع إدارة بايدن المتعلق بالممارسات ضد المكون الكردي. وتحرص أنقرة على وضع حد للتلويح بورقة هيئة تحرير الشام باعتبارها جزءا من القوى التابعة والموالية لتركيا بسوريا من خلال الإصرار من قبل الولايات المتحدة على إبقائها كمنظمة إرهابية، كأداة لإجبار تركيا في المقابل على قبول الحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المسيطر على شمال شرقي سوريا وتصنفه أنقرة إرهابيا كفرع لحزب العمال الكردستاني. وينطوي طرح أنقرة لصيغة تعاون وتنسيق مع واشنطن والعواصم الأوروبية متضمنة احتواء وقبول هيئة تحرير الشام وهو ما وضح من مطالبة أردوغان الغرب بدعم المعارضة السورية الشرعية واتخاذ موقف واضح من وحدات حماية الشعب الكردية، على مخطط تركي لإزاحة الأكراد من المعادلة بحيث لا تُستخدم هيئة الجولاني كأداة للمقايضة في سبيل الضغط على أنقرة للاعتراف بوحدات حماية الشعب والحوار معها. عرض الرئيس التركي صيغة تعاون مع الولايات المتحدة ودول أوروبا بالملف السوري لم يجبره على تغيير تكتيكاته التي استخدمها أثناء تعاونه مع موسكو منذ العام 2016، حيث يريد المُضي في شن عمليات عسكرية على الأكراد، مقابل تثبيت نفوذ حلفائه الجهاديين.واقتضى هذا التحول إقناع الأتراك للقوى الغربية بحلول سياسية لمعضلة الجهاديين وهيئة تحرير الشام في إدلب عبر الترويج للأخيرة بوصفها قادرة على فرض الاستقرار وتثبيت وقف إطلاق النار واحتواء وتحجيم الفصائل المسلحة الأخرى.
ترغيب وترهيب
منحت أنقرة قادة هيئة تحرير الشام الضوء الأخضر لإبداء العديد من التغييرات في الشكل ومضمون التوجهات، بهدف كسب أطراف وجهات دولية تتبنى التطبيع مع الهيئة ورفعها من قوائم الإرهاب، كي لا تُتهم تركيا إذا قامت بذلك بشكل أحادي بدعم الجهاديين وغسل سمعتهم. وتحقق هذا جزئيا بالنظر إلى التوصية التي قدمتها مجموعة الأزمات الدولية لإدارة الرئيس بايدن بفتح المجال أمام هيئة تحرير الشام للعب دور جديد يتناسب مع مرحلة مختلفة، معتبرة أن إدلب إحدى الفرص لإعادة تحديد إستراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب بمعزل عن سياسة واشنطن الخارجية السابقة المفرطة في العسكرة. ووظفت أنقرة ومن خلفها الهيئة الرغبة الغربية في الحفاظ على الهدوء الهش في الشمال السوري، وحرص الإدارة الأميركية برئاسة بايدن على بناء إستراتيجية سياسية جديدة خاصة بسوريا، بهدف الدفع باتجاه التعاون مع أنقرة لوضع نهج جديد لمكافحة الإرهاب يعطي وزنا للأدوات الناعمة والدبلوماسية بديلة عن الأدوات العسكرية. وإبداء هيئة تحرير الشام التي كانت يوما كيانا تابعا للقاعدة استعدادها للتخلي عن أجندة الجهاد العالمي العابر للحدود وشن الهجمات على المدنيين وتقديم الجولاني والقادة المقربين منه كأشخاص مختلفين عن زعماء الجماعات الإرهابية التقليديين فضلا عن الاستعداد لتحسين العلاقات مع حليف رئيسي في الناتو، جميعها عروض منسقة يجري تقديمها للأميركيين والأوروبيين من خلال ورقة الترغيب في التقليل من أخطار اندلاع أعمال عنف في شمال غرب سوريا.
وتراهن أنقرة فضلا عن الأصوات الغربية المؤيدة لهذا التوجه على أن إتمام توافق من هذا النوع بين الولايات المتحدة وتركيا والشركاء الأوروبيين من شأنه أن يكون بوابة لفتح حوار مع موسكو عبر امتلاك مفاتيح وقف التصعيد العسكري والحد من الهواجس الروسية بخصوص الهجمات المنطلقة من إدلب مستهدفة قاعدتها العسكرية في غرب سوريا أو المناطق التي تهيمن عليها الحكومة السورية. وتلوح تركيا بورقة الترهيب حيث تعي جيدا أن إلحاق هزيمة عسكرية شاملة ونهائية بهيئة تحرير الشام من قبل موسكو وحكومة دمشق لن يتحقق دون وقوع خسائر هائلة على المستوى الإنساني والتسبب في انفجار قنبلة ضخمة من اللاجئين باتجاه دول أوروبا. لذلك صحبت عروض الترغيب من قبل أنقرة وهيئة تحرير الشام لهجة تهديد بموجات من اللاجئين الجدد إلى أوروبا، في حال ظل الموقف الأميركي والأوروبي من الهيئة كما هو وأصر الطرفان على تحميل تركيا وحدها تبعات الفشل في الملف السوري.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article