0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

25 - في مخاطر الاتكال على «عرّاب» غريب الأطوار..(جلبير الأشقر/القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

في مخاطر الاتكال على «عرّاب» غريب الأطوار..(جلبير الأشقر/القدس)
لولا المآسي المتعلّقة بمجريات الحياة السياسية في منطقتنا، لاستمتعنا بالمشهد الفكاهي للغاية الذي يقدّمه يوماً بعد يوم الرجل الذي أصبح أكبر المهرّجين الذين عرفهم التاريخ، ألا وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فبعد أن وصل إلى سدة الرئاسة برفع شعار «إعادة أمريكا إلى عظمتها»، لم يفلح الرجل بفعل نرجسيته المرَضية سوى في جعل أمريكا موضع سخرية وتهكّم لدى العالم بأسره. وقد تبيّن ذلك بأوضح صورة عندما ألقى ترامب خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل سنة تبجّح فيه بأن إدارته أنجزت في أقل من سنتين «أكثر مما أنجزته أية إدارة أخرى تقريباً في تاريخ بلادنا». وقد أثار كلامه آنذاك قهقهة معمّمة في قاعة الأمم المتحدة، شكّلت أفصح تعبير عن أن العظمة التي وعد بإعادة تحقيقها الدونالد (بأداة التعريف، كما يسمّيه لفرادته المهرّجون الأمريكيون المحترفون) إنما هي عظمة في المسخرة، ليس إلّا.
هذا ولا بدّ من أن نعترف بأننا، وبالرغم من المآسي التي ذكرناها، نعمنا بمشاهدة خيبة أمل بنيامين نتنياهو ومحمّد بن سلمان عندما تخلّى الدونالد عنهما، مغيّراً لهجته إزاء إيران مثلما سبق له أن غيّر لهجته إزاء كوريا الشمالية. فكما انتقل من وعيد هذه الأخيرة بإفنائها إلى مهادنتها وابتلاع كافة التحدّيات الصادرة عنها، بل إعلانه الوقوع في «غرام» زعيمها القراقوشي هو الآخر، انتقل الدونالد من لغة التهديد والوعيد إزاء إيران إلى التودّد لحكّامها وابتلاع التحدّيات الصادرة عنهم، وأهمّها على الإطلاق الحجوم بالطائرات المسيّرة الذي طال المنشآت النفطية في المملكة السعودية قبل أقل من شهر. والحقيقة أن ذلك الهجوم كان «ضربة مُعلِّم» إذ أصاب الوتر الحسّاس في السياسة الغربية، ألا وهو النفط، مبيّناً قدرة طهران على إحداث أزمة اقتصادية عالمية في حال تعرضّت لعدوان أمريكي، فضلاً عن إنزال أضرار جسيمة في مملكة آل سعود بما أحدث هلعاً في نفوسهم.
ولم ينطلِ على أحد أن عدم قيام واشنطن بالردّ عينيّاً على تحدّي طهران، ناهيكم من الشلل الفزِع الذي أصاب السعوديين، إنما هو إثباتٌ للقوة الكامنة في القدرة على ضبط النفس، كما ادّعت واشنطن. بل أدرك العالم أجمع أن موقف الحليفين لم ينمّ سوى عن الجبن، لاسيما أننا في صدد مواجهة بين دولتين، أمريكا والسعودية، تحتلان المرتبتين العالميتين الأولى والثالثة في النفقات العسكرية، وبين دولة إيرانية تحتل المرتبة الثامنة عشرة (حسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام). وطبعاً لا مفاجأة على الإطلاق في العجز السعودي: فحيث تجاسر محمّد بن سلمان على التدخّل العسكري في اليمن المجاور المسكين، وهو أحد أفقر بلدان العالم، دون ضوء أخضر من العرّاب الأمريكي الذي كان يرأسه آنذاك باراك أوباما، لا هو ولا الدولة الصهيونية، حليفته الأخرى، يستطيعان المغامرة بشنّ هجوم على إيران بدون موافقة واشنطن، بل وبدون مشاركتها.


Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article