75 :عدد المقالاتالاثنين27.9.2021
 
 

 

الصحافة العربية :

41 - ما حقيقة مؤتمر اربيل ولماذا جاء عنوانه غامضا(د.سعد ناجي جواد)(راي اليوم)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

عندما تنحط الدول لا تنحط قدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والادارية فقط، وانما يكون الانحطاط الاكبر هو الانحطاط الاخلاقي الذي يصل اليه عدد غير قليل ممن يدعون انهم يحملون جنسيتها. في العراق على سبيل المثال انتشر في بغداد في عام 1917 تعبير (ابناء السقوط) اطلقه البغداديون على الحثالات الذين هبوا للتعاون مع الجيش البريطاني الغازي بعد احتلال بغداد، او الذين عمدوا الى استغلال الاحتلال لكي يعبثوا بقيم المجتمع. وهذا التوصيف الجميل كان يحمل معنين دالين جدا. الاول توصيف من حاولوا ان يتسيدوا المشهد بعد سقوط بغداد توصيفا يليق بهم، والثاني يعني انهم نتاج عمل ساقط ومنحط. استعاد العراقيون هذا التوصيف في عام 2003 بعد احتلال بغداد. ثم ازداد ايمانهم ان هذا التوصيف هو الدقيق بعد ان شاهدوا هجمة كل من هب ودب للاستئثار بكل شيء في العراق، دون اي اعتبار لمعاناة العراقيين من سنين الحصار العجاف ومن نكبتهم بان يشاهدوا بلدهم قد احتل بدعاوى واكاذيب وتلفيقات فبركت بطريقة مقصودة. والاكثر ايلاما هو الانحدار الاخلاقي عند تلك الفئة الذي وصل الى الحد الذي اصبح فيه هدف خدمة الاجنبي عند هولاء افضل من خدمة الوطن والشعب. وهذه الحقيقة ظهرت منذ ان بدات من اطلقت على نفسها (المعارضة الخارجية) اجتماعاتها برعاية امريكية-بريطانية-اسرائيلية، ووصلت الى الحضور على ظهر الدبابات الامريكية واختتمت بالمطالبة بان يكون يوم احتلال بغداد هو العيد الوطني العراقي. ما لم يتصوره العراقيون ان اعداد من يمكن ان يوصفوا بانهم من (ابناء السقوط) سيتضخم بهذه الدرجة.
ما اعاد هذه الذكريات المؤلمة هو ما حدث في اربيل يوم الجمعة الماضي، حيث عُقِدَ مؤتمرا غامضا اثيرت حوله الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. ابتداءا قال عنه منظموه (والذين ظهر انهم اسرائيليون صهاينة اتخذوا من معهد يديره صهيوني من اصل عراقي معروف بتوجهاته الصهيونية، غطاءا لهم) انه ضم 300 شخصا من ست محافظات عراقية وصفوا بكونهم (رجال عشائر) و (جنرالات سابقين) وممثلي منظمات مجتمع مدني. اما الهدف فلقد انقسم الى قسمين: الاول كما جاء على لسان بعض المتحدثين هو لمطالبة الحكومة العراقية للاعتراف بإسرائيل لانها (دولة شقيقة وقوية ومعترف بها في الامم المتحدة!) وان (لمواطنيها الحق في العيش بسلام على ارضهم!). في حين ان بعض المتحدثين تكلموا عن (الحاجة لدعم النظام الفدرالي)، هدفين لا علاقة لهما ببعض. عنوان الموتمر كان هو الاخر غامضا جدا، حيث اطلق عليه اسم (مؤتمر السلام والاسترداد)، كلمتين ايضا لا علاقة لهما ببعض. واذا كانت كلمة السلام الخادعة مفهومة، الا ان كلمة (الاسترداد) تبقى غامضة وغير مفهومة. استرداد ماذا؟ واسترداد مِن مَن؟ واخيرا فان كلمات المشاركين فيه، والتي كان واضحا انها كتبت لهم وان من يستمع اليها لا يمكن ان يحبس ضحكته على طريقة التلعثم في قراءة بعض المفردات، حتى ان احدهم قرا عبارة (خطة السلام الابراهيمي)، على انها (اتفاقيات ابراهيم علي).
بتحليل بسيط وسريع واستنادا الى بعض المعلومات يبدو ان الجهة التي دعت الى هذا المؤتمر كانت قد جهزت له نوعين او مجموعتين من المشاركين، مجموعة من العملاء، كانوا على علم باهداف المؤتمر، وجاهروا بالمطالبة في ان يَنظَم العراق الى حملة الاعتراف باسرائيل. ومجموعة إدعت (ويبدو ان قسما منهم كان صادقا في إدعائه) انهم اخبروا بان الموتمر هو للترويج لفكرة دعم النظام الفدرالي في العراق وتوسيعه ليشمل المحافظات الغربية، ولهذا شاركوا فيه بكثافة. اما كلمة استرداد، فلقد كان المراد منها (استرداد اليهود العراقيين الذين هاجروا الى اسرائيل لممتلكاتهم او تعويض عنها). ويبدو ان الاسلوب الصهيوني المخادع قد انطلى على غالبية المشاركين. وقد اعترف بعض من وجهت لهم الدعوة بالخديعة التي تعرضوا لها عند الحضور، وان غالبيتهم اعتقدوا انهم يشاركون في مؤتمر عن الفدرالية، ولكن يبقى العتب على الذين يقولون انهم إستُغفِلوا حيث انهم ظلوا جالسين يستمعون الى خطابات العمالة تلقى عليهم، ولم تهتز غيرتهم الوطنية والاخلاقية، ولم يخشوا على سمعة عوائلهم وعشائرهم. والعتب على من وصل الى ارذل العمر ورضى ان يكون دمية بيد مجموعة من العملاء. ولا يستطيع احدا من المشاركين ان يدافع عن نفسه بالقول بانه لم يكن يعلم ان اسرائيل هي من يقف خلف هذه الفعالية، خاصة بعد شارك ابن شيمون بيريز في المؤتمر والقى كلمته بالعبرية، حاثا المشاركين على الدفع باتجاه الاعتراف العراقي باسرائيل والمساعدة باعادة املاك الذين هاجروا الى فلسطين المحتلة. ولم يقل اي من الحاضرين لبيريز وماذا عن ممتلكات ومساكن واراضي الشعب الفلسطيني التي سُلِبت وهُجِرَ اصحابها ولا يزالون محرومين من حق العودة الى وطنهم.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article