75 :عدد المقالاتالاثنين27.9.2021
 
 

 

الصحافة العربية :

49 - تأليف النكات يرعب المتسلطين في مصر(العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

- (المصريون هم ثاني شعب في العالم تداول النكتة بعد السومريين - النكتة الموظفة سلاح خطير):
يمكن للسخرية أن تكون سلاحا مزدوجا، كما يمكن أن تكون مرآة يكتشف فيها المرء عن صورته بعيون الآخرين ويتلمّس دربه من خلالها إلى تدارك ما يمكن لترميم تلك الصورة. ويمكنها أن تكون من الأدوات المساعدة على الاستشفاء من الأدواء الاجتماعية، لكن أخطر أدوارها حين تتحول إلى النقد الثقافي الواعي والاجتماعي والسياسي، ما جعلها على مر التاريخ محل ملاحقة. تظل النكتة واحدة من وسائل تعبير المصريين عن أنفسهم في مواجهة القمع والكبت والإحباط التي تحيط بهم، وتتسبب في خلق معاناتهم وأزماتهم ومشكلاتهم اليومية، وهي وسيلة رفض وتحذير وتنكيل بكل ما من شأنه أن يهدد استقرار حياتهم، وسلاح يقاوم تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ويعتبر البعض النكتة سخرية وفكاهة وخفة ظل وتنفسا، لكنها في الحقيقة تشكل تحديا ورد فعل ومواجهة وصداما كاشفا عن خلل آليات الحكم والسلطة سواء تمثلت لدى المسؤولين الكبار أو الصغار. وهي فضلا عن ذلك تعد استطلاعا كاشفا لحقيقة موقف المصريين مما يجري من أحداث ومواقف داخلية وخارجية.
يقدم الكاتب الصحافي طايع الديب في كتابه الجديد بعنوان “جمهورية الضحك الأول.. سيرة التنكيت السياسي في مصر” والصادر أخيرا عن مؤسسة بتانة، تأريخا ورصدا لسيرة التنكيت السياسي في مصر خلال الجمهورية الأولى أثناء حكم الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك. ويحكي الديب أبرز النكات ويتتبع حالات التنكيل والسجن والقمع التي مورست من أجهزة الدولة الأمنية على الكتاب والمثقفين والإعلامين والقضاة وكل من تجرأ وقام بتأليف أو نقل نكتة ساخرا أو منتقدا لسياسات النظام ومسؤوليه، كما يرصد أثر ذلك على المجتمع وعلى الحكومة. ويناقش أيضا ظاهرة نقل النكت من مصر إلى الدول العربية، وإعادة صياغتها حيث تتناسب مع هذه الدول. وقد حظيت هذه النكت باهتمام الأوساط الأكاديمية في العالم، من جامعة السوربون فى باريس إلى مختبرات العلوم الاجتماعية فى موسكو باعتبارها نوعا فريدا من “الإعدام السياسي رميا بالنكات”. ويقول الديب “التحق كاتب مستجد بالعمل في خدمة كاهن بمعبد ‘تحوت’، علما أن المعابد الفرعونية كانت بمثابة مؤسسات مكتملة تضم كل الصنيعية والحرفيين، وانزعج الكاتب بسبب الضجة المنبعثة من غرفتي جاريه النجار والحداد، وليس أسوأ من جيرة واحد يدق وآخر يطرق ليل نهار. وأخبر الكاتب سيده الكاهن بذلك، فأعطاه مالا، وقال له: قدمه لهما مناصفة، وقل لهما أن يجدا مكانا آخر للسكنى. وقد كان، أخذ الحداد وزميله النجار المال من الشاب، وفي اليوم التالي انتقل كل منهما إلى غرفة الآخر! هذه، على عهدة الأثريين، هي ثاني نكتة في التاريخ بعد نكتة سومرية تعود إلى سنة 1900 قبل الميلاد وجدت مكتوبة على جدران أحد الحمامات العامة بموقع أثري جنوب العراق”.
ويضيف “النكتة الفرعونية المدونة سنة 1600 قبل الميلاد سجلتها جدران معابد الأقصر وبها يكون المصريون هم ثاني شعب في العالم تداول النكتة. ومن أعظم آيات السخرية السياسية في العصر الفرعوني نقش بارز يكاد يصف حال المصريين المستضعفين في الأرض على مر العصور، وهو عبارة عن صورة لراع بائس وهزيل كأنه هيكل عظمي متحرك، يجر خلفه بحبل ممدود بقرة سمينة بشكل مبالغ فيه، في حجم سيد قشطة، يكاد ضرعها الهائل من فرط امتلائه باللبن بلا حَلبٍ أن يلمس الأرض”. ويرى الديب أنه “إذا كان مبارك هو آخر رؤساء مصر الذين عرّضت بهم ألسنة صنّاع النكتة الحريفة المجهولين قبل ظهور ‘نكت الكوميك’ في أيامنا هذه، فإن عبدالناصر لم يكن أقلهم تعرّضا للتنكيت. فبعد دور ‘الميثاق الوطني’ الذي كتبه محمد حسنين هيكل بالنيابة عن الزعيم الراحل، وكان بمثابة دستور الحكم وقتها، أراد عبدالناصر أن يعرف رأي الناس في الميثاق، فخرج وحده متخفيا إلى أقرب قهوة، وهناك رأى أحد أولاد البلد جالسا بمفرده، فحياه واستأذنه، ثم جلس بجانبه، وطلب كوبيْ شاي له ولجليسه، وعزم عليه بسيجارة فأخذها الرجل شاكرا، وراحا يدخنان بشغف. وتبادل الرجلان حديثا وديا مستفيضا في أحوال الدنيا وتكاليف الحياة. ولما أحس عبدالناصر أن الرجل اطمأن له، سأله ‘إلا قل لي صحيح.. إيه رأيك في الميثاق؟’. قال الرجل بحماس ‘أنضف من الكليوباترا'”.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article