71 :عدد المقالاتالاحد18.10.2020
 
 

 

الصحافة العربية :

46 - مؤتمر سرت الثاني يوجه رسائل تتعارض مع مؤتمر تونس(العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí


تتسارع وتيرة التحركات السياسية على أكثر من جبهة ليبية، في محاولة تهدف إلى لمّ الشمل، غير أن تعدد الخطوات يمكن أن يؤثر سلبا على المخرجات النهائية، بعدما توافرت أجواء إيجابية تشجع على المضي قدما نحو الحل السياسي. ففي الوقت الذي تستعد فيه الأمم المتحدة لعقد الجلسة الأولى لمنتدى الحوار السياسي في تونس، في الـ26 من أكتوبر الجاري، نظمت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة مؤتمرا للمصالحة الوطنية، السبت، أطلقت عليه “سرت الثاني” يقوم على سياسة دعم الحوار الليبي براعية داخلية وليس ضمن حوارات الأجندات الخارجية، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى مؤتمر تونس. وحاول القائمون على المؤتمر الجديد استحضار الذاكرة التاريخية لدعم الثوابت الوطنية، بأنه استكمال لمؤتمر آخر عقد عام 1922 لمواجهة الاستعمار، ونجم عن المؤتمر ما عرف بميثاق سرت، وحظي بتأييد الكثير من القوى الليبية آنذاك.
وافتتح المؤتمر بكلمة لوزير الخارجية في الحكومة المؤقتة عبدالهادي الحويج، ثمّن فيها الاجتماع ودوره في حل الأزمة الليبية، وأهمية أن تتكاتف جميع القوى الوطنية للحل السياسي، بعيدا عن التدخلات الخارجية. “العرب” تواصلت مع الإعلامي الليبي شعبان بركة، الذي شهد فعاليات المؤتمر، وأكد أن المؤتمر التأم في موعده المقرر وليوم واحد، وشاركت فيه وفود من مدن مختلفة، وشخصيات تمثل شرائح متباينة للمجتمع للتأسيس لميلاد ليبيا الجديدة. وأوضح أن وزير خارجية مالطا إيفاريست بارتولو، ألقى كلمة أمام المؤتمر عبر الفيديو كونفرانس، شدد فيها على أهمية أن يكون الحوار ليبيّا – ليبيّا، دون تدخلات خارجية، وأيد انعقاد مؤتمر سرت للتأكيد على جدية المصالحة الوطنية. بدأت تنفتح خطوط اتصال كثيرة الفترة الماضية، كسرت مجموعة كبيرة من الحواجز المادية والمعنوية بين شرق ليبيا وغربها، مستفيدة من الليونة السياسية والعسكرية الظاهرة في مواقف قوى عديدة، عكستها اجتماعات عدة عقدت في كل من سويسرا والمغرب ومصر مؤخرا، ناقشت قضايا سياسية وعسكرية مهمة.
وهبطت أول طائرة مدنية منذ حوالي عام قادمة من طرابلس في مطار بنغازي، الجمعة، في خطوة تشي بفتح خطوط الانتقال البري والجوي، بما يتّسق مع التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين ممثلين عن شرق ليبيا وغربها، برعاية الأمم المتحدة. وقام في الـ12 من أكتوبر الحالي، وفد من كبار شيوخ وأعيان المنطقة الشرقية بزيارة إلى مصراتة في غرب ليبيا، وناقش قضية المحتجزين والمعتقلين، لحل أزمتهم وديا. كما استضافت القاهرة في أوائل سبتمبر عددا من القيادات السياسية والاجتماعية التي تمثل شرق ليبيا وغربها، لتقريب المسافات، وفتح الطريق أمام مصالحة حقيقية. وأراد المنظمون لمؤتمر سرت الثاني، التأكيد على أن الحل يجب أن يكون ليبيّا وفي مدينة ليبية وبأفكار ليبية، لتشكيل خارطة طريق سياسية لأي حلول إقليمية أو دولية، منصفة ومستدامة، تنهي الفوضى والتشظي وتنجز الوحدة الوطنية واستقلال القرار السياسي، وترفض الإملاءات والأجندات الخارجية السلبية. وأوضحت وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة أنها دعت لمؤتمر سرت الثاني كتلا وأحزابا سياسية ومنظّمات مجتمع مدني معنية بالسلام والمصالحة، وممثلين عن المهجرين في الخارج والنازحين في الداخل، إلى جانب مسؤولين وسياسيين سابقين، وشخصيات عامة، وعددا من المحامين والقضاة وأساتذة الجامعات والمثقفون.
وسألت “العرب” شعبان بركة عن مستوى استجابة المدن والشخصيات التي جرت دعوتها للمؤتمر فاكتفى بالقول “التمثيل كان جيّدا، وضمّ شرائح ليبية مختلفة”. وعقدت اللجنة التحضيرية لمؤتمر سرت الثاني، الأربعاء، اجتماعا لبحث الترتيبات اللوجستية، وأصدرت بيانًا دعا إلى عقد الاجتماع لتقديم خارطة طريق سياسية، كمحاولة جادة “لتكوين مرجعية وطنية تعد ميثاقا لليبيا”. وشددت على أن الأباء والأجداد المؤسسين لميثاق سرت الأول كانوا على مستوى من الحرص والحس بالمسؤولية وتناسوا وتساموا على الجراح والخلافات، وأعلنوا ميثاقا تاريخيا كان مثالا للأجيال السابقة والحالية والقادمة. ويقول مراقبون إن مكان التئام المؤتمر ينطوي على دلالة رمزية لها علاقة بالوضع الراهن، فانعقاده في سرت، يعني أن المدينة آمنة ومستقرة ومهيأة لاستقبال الحكومة الجديدة لممارسة مهامها منها، وقوات الجيش الوطني الليبي قادرة على تأمين أعضائها، ولا حاجة لما يتمّ الترويج له حول إنشاء منطقة عازلة ومنزوعة السلاح. ورفض الجيش الليبي فكرة إنشاء منطقة عازلة، تدفع نحوها الولايات المتحدة، بذريعة تأمين منطقة سرت الحيوية، ومنع اندلاع معارك جديدة. المؤتمر المدعوم من حفتر يستحضر الذاكرة التاريخية لحل الأزمة المؤتمر المدعوم
وأكد السياسي الليبي حسن المبروك، أنه يؤيد جميع المواقف الوطنية المدروسة التي تساعد في حل الأزمة سياسيا، رافضا ما أسماه بـ”الشخصنة التي يحاول البعض فرضها في اللقاءات الليبية”، في إشارة تحمل تحفظا على مؤتمر سرت الثاني. وأوضح لـ”العرب” أن المؤتمر كان “بحاجة إلى مزيد من الإعداد، وعدم الاستعجال، فقد أعلن عنه فجأة ودون مقدمات تمهيدية، ما يعني أن ثمة تضاربا قد يطال بعض الأجندات السياسية، يمكن أن تنعكس سلبا في المحصلة النهائية على النوايا الطيبة”. ولفت متابعون إلى تناقض رسالة مؤتمر سرت الثاني مع مؤتمر تونس، ما يفضي لوضع عقبات بدلا من إزالتها، خاصة أن الأمم المتحدة التي ترعى المؤتمر الثاني تواجه ارتباكات في دعوات وأهداف المؤتمر. وغير معروف مدى قدرة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على بلورة رؤى مفيدة للحل مع انعقاد الجلسة الثانية المباشرة للمنتدى مطلع نوفمبر المقبل، ولم تفسّر ما إذا كانت اجتماعات تونس تلغي مؤتمر جنيف الذي أعلن عنه من قبل أم لا. وأشار وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الأربعاء، إلى استمرار التحضيرات لعقد اجتماع يضمّ أطراف الأزمة الليبية في جنيف، وضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن ليبيا، لأن جميع الجهود تصب في هذا الاتجاه.
وكشفت مصادر ليبية لـ”العرب”، أن مؤتمر سرت الثاني يحظى بتأييد قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ويحمل إشارات تحفّظ على ما يتم التحضير له في تونس. وشددت على أن “رسالته السياسية تختلف مع التوجهات العامة لمؤتمر تونس، والذي تشارك فيه قوى إسلامية بكثافة، ولا يخلو من أصابع خارجية لتوجيه دفته”. وفي كل الأحوال، تنطوي كثرة المؤتمرات المعنية بالأزمة الليبية على ظاهرة إيجابية حيث تحولت الاشتباكات من الفضاء العسكري إلى الفضاء السياسي، وهذه ميزة تؤكد انخفاض منسوب اللجوء إلى الحرب، وتزايد فرص الحوار أملا في الوصول إلى السلام.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article