85 :عدد المقالاتالخميس24.11.2022
 
 

 

الصحافة العربية :

16 - المنتخب هزّ شباك النظام الإيراني(سهيل كيوان)(القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

امتنع لاعبو المنتخب الإيراني عن ترديد نشيد إيران الوطني أمام العالم، وهو هدف سجله المنتخب في شباك النظام في إيران. هذا الموقف الشجاع قال الكثير في وقفة واحدة طولها دقيقة أو اثنتان. يحمل المنتخب القومي عادة رسائل من بلده إلى العالم، هذه المرّة حمل المنتخب رسالة إلى بلده نفسها، إلى النظام نفسه وإلى الجماهير المنتفضة بـأنه منها ومعها. سؤال آخر يطرح، هل سيحاسبُ اللاعبون على موقفهم هذا عند عودتهم إلى بلادهم! أم أنَّ الأمر سيمرُّ مرور الكرام! أغلب الظن أنها مغامرة وتحد شجاع وكبير. تقول كلمات النشيد الوطني الإيراني: «بزغت من الأفق شمس الشرق.. تلك التي تستنير بها أبصار المؤمنين بالحق.. إنه رمز إيماننا.. ونداؤك أيها الإمام للاستقلال والحرية.. منقوش في أرواحنا.. أيها الشهداء ما زالت صيحاتكم تملأ مسامع الزمن.. فلتبق خالدة وأبدية، أيتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية» (عن ويكبيديا). كلُّ جديد وله بهجة، كانت بهجة الإيرانيين كبيرة في ثورتهم التي انطلقت عام 1977 وانتصرت عام 1979 رغم البطش والوحشية الذي ووجهت بهما الجماهير. رحل الشّاه إلى مصر، وانتهت الحقبة البهلوية، وفرح معهم مئات الملايين من شتى أقطار العالم، إلا أن نجاح الثّورة في قلب نظام الحكم هو البداية، والامتحان الحقيقي، هو في النتائج بعيدة المدى لأي ثورة كانت.
يتوقع الناس مساحات أكبر من الحرية التي ناضلوا لأجلها، وإذا كان نظام الشاه الآفل قد قتل المعارضين، وزجّ بهم في السُّجون وقمع المتظاهرين بالحديد والنار، ومنع النساء من ارتداء الحجاب، فما الذي يفعله النظام الحالي بمعارضيه؟ وكيف يتعامل مع المتظاهرين والمحتجين، ومع حقوق المرأة الشخصية، وما الفرق بين منع الحجاب وفرضه بالقوّة على النساء! إضافة إلى هذا، ينتظرُ الناسُ مردوداً اقتصادياً ينعكس عليهم كأفراد وأسر ومجتمع، وتوزيعاً أكثر عدلا للثروة والموارد القومية بين مختلف شرائح المجتمع والأقاليم والقوميات وغيرها، ينتظرون خدمات أفضل في شتى مجالات الحياة اليومية، وبلا شك أنهم يتوقعون من الثورة أن تتعلم من أخطائها، وأن تنقّي نفسها من الانتهازيين والمتسلِّقين، وأن تكون قادرة على إصلاح مسيرتها من خلال النقد الذاتي، والإصغاء للمعارضين. كان منتخب إيران في كرة القدم عام 1998 متحمّسا جدا في مواجهة منتخب أمريكا، وسجّل هدفين مقابل هدف واحد في فوز اعتُبر تاريخياً، أشعل المنطقة كلها بالفرح، ومعهم كل المتضررين من سياسة أمريكا في العالم، أما اليوم، فقد وقف المنتخب مقهوراً، محتجّا، ولعب بشعور داخلي من الهزيمة، وتعاطف معه عشرات الملايين. لقد سبقت الانتفاضة الحالية التي بدأت في أيلول/ سبتمبر الماضي احتجاجا على موت فتاة اعتقلت بسبب ارتدائها الحجاب بشكل لم يعجب حراس الآداب، احتجاجات أخرى على غلاء المعيشة وظروف الحياة وغيرها، إلا أن الانتفاضة الأخيرة التي لم تنطفئ بعد، وانتقلت من مرحلة الاحتجاج إلى انتفاضة على واحدٍ من أعمدة وأساسيات النظام، وهو موقفه من المرأة وحقوقها العامة والشخصية، فالنساء في مظاهراتهن يلقين الحجاب جانبا، ويقصصن شعرهن احتجاجاً. الانتفاضة تحولت إلى اجتماعية سياسية، وليس على الحادثة بعينها فقط، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن ملايين الإيرانيين باتوا يشعرون باستنفاد الخمينية لنفسها، ويطمحون إلى حرية أكثر واقتصاد أفضل، وإدارة أنجع للصراع مع القوى الإقليمية والدولية.
لا يستطيع النظام، أي نظام، أن يواصل حكم شعبه بحجة الأخطار الخارجية المحدقة به، وفي حالة إيران، فإن شعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، إضافة إلى التدخلات الخارجية، ليست ضمانة لاستقراره، فالناس في نهاية الأمر يريدون حريات شخصية وفرص عمل، ورواتب تمنحهم القدرة على العيش بكرامة. إشارات كثيرة تقول إن نظام آيات الله استنفد نفسه، وبات رحيله قضية وقت، قد ينجح بتأجيله بضع سنين أو عقود، ولكن النهاية باتت حتمية في المنظار التاريخي لأعمار الدول والأنظمة، وإذا أراد أن ينجو من مصير المحو التام، فعليه بتغيير وإلغاء الكثير من أسس الدستور، الذي قامت عليه الجمهورية الإسلامية، وفتح الطريق للأحزاب غير الدينية للمنافسة على السُّلطة، خصوصا أن شرائح وأحزاب أخرى شاركت في الثورة ضد الشاه، قضى عليها النظام أو همّشها، لها أفكار ورؤى اجتماعية مختلفة، خصوصا ما يتعلق بحقوق المرأة. أخيراً، إذا كنا نتمنى الفوز للفرق العربية لنفرح، فإن المنتخب الإيراني يستحق الفوزّ والفرح والتشجيع لأجله ولأجل المنتفضين.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article