85 :عدد المقالاتالخميس24.11.2022
 
 

 

الصحافة العربية :

17 - في المونديال: يابانيون ينظفون المدرجات وشبان عرب يناصرون فلسطين(مريم مشتاوي)(القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

في بلادنا المنكوبة، حيث نألف غير المألوف، أصبحت الفوضى أمراً عادياً، وتراكم النفايات مشهداً مألوفاً، والفساد كالتدخين تماماً. الكل يعلم بخطورته على صحة المواطنين، ولكنه منتشر في كل مكان. الكل يتكلم عن تلك المخاطر: برامج تليفزيونية كثيرة وحلقات إذاعية هنا وهناك، وحتى الشركات المنتجة تحذر من خطورته، ووزارة الصحة تؤكد أنه يؤدي إلى أمراض سرطانية، ولكن لا أحد يأخذ خطوات جدية في التصدي لانتشاره. في بيروت، مثلاً، غيوم النراجيل هي التي تظلل العاصمة اللبنانية، ولا يستغرب المرء حين يعلم أن عدد النراجيل على الطاولات يفوق عدد رواد المطاعم. من منا لم ير، وهو يقود سيارته في شوارع المدينة، شوفير تاكسي مستهتراً يرمي بقايا تفاحة أو قشرة موزة من شباك سيارته؟ بل قد يصل به الحال للبصق أحياناً من الشباك أمام الركاب، من دون أي شعور بالخجل أو التردد. كم مرة لمحنا سيدة ترمي بكيس نفاياتها في غير المكان المخصص له، لأنها لا ترغب في المشي خطوتين إلى الأمام خوفاً من أن تتعب رجليها. من منا لم يلمح شخصا «يفصفص« البزر على شرفته، وهو يغني ويتخلص من القشور برميها فوق رأس المارة ويكمل دندنته، كأن شيئاً لم يكن. كم مرة استيقظنا على صراخ جارة نشرت غسيلها لتجده ممتلئاً بالغبار، بعد أن نفضت جارتها في الطابق العلوي سجادتها من دون أن تلتفت إلى الأسفل.
أمثلة لا تحصى، ولا تعد، لكن كلها إن دلت على شيء فهي تدل على الاستهتار بقيم معظمنا، لم يعجن بها منذ الصغر، ولم تترسخ فينا كأفراد، ومن بينها احترام الوطن أولاً والآخرين ثانياً. ومن هنا جاءت المفاجأة الكبيرة في افتتاح كأس العالم لكرة القدم، حيث تستضيف قطر واحداً من أهم مباريات كأس العالم، حسب ما تؤكده أرقام وتصريحات الخبراء والمتابعين. ولكون الحدث عالمياً، يصبح رصد الظواهر الثقافية والفنية والرياضية ملحوظا، فقد نشرت الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني على صفحتها على انستغرام فيديو مصوراً لشاب قطري بعنوان «شكرا اليابان» يعكس ثقافة الجمهور الياباني، الذي آثر تنظيف المدرجات قبل مغادرته لأرض المباراة، التي جمعت المنتخب القطري مع نظيره الاكوادوري. يقول الشاب القطري: «لا أحد يقنعني أن هذا شيء طبيعي، الجمهور الياباني قرر تنظيف الملعب، علما أنها ليست مباراتهم. وعندما سألتهم عن السبب وراء هذه المبادرة، أجابت المشجعة اليابانية: نحن اليابانيين لا نترك مخلفات وراءنا. نحن نحترم المكان». ويضيف الشاب القطري: لقد سمعت عن هذا الشيء، لكن لم أتوقع أن يكون الأمر حقيقيا الى هذا الحد، كل الاحترام لهذا الشعب العظيم». كل الحق معه! لم نر في بلادنا مشهداً كهذا، ولا حتى في الأحلام.
لقد بدأوا بجمع النفايات عن المدارج بتواضع شديد ومن دون الالتفات إلى الكاميرات. فهذا أمر طبيعي جداً بالنسبة لهم. هم لا يتركون قاذورات في أي مكان، بالرغم من أنها ليست قاذوراتهم. لقد أكملوا جمع كل المخلفات في أكياس زرق، وجمعوا الأعلام المرمية على الأرض وحملوها بكثير من التقدير. هذا ما نشأوا عليه في بلادهم منذ الصغر. شعب تربى على مبدأ احترام الأمكنة والآخرين. لذلك لا يوجد عمال نظافة في مدارسهم، فالطلاب هم من ينظفون صفوفهم، وأطفالهم في البيوت يعرفون كيف يرتبون غرفهم ويضعون ثيابهم الوسخة بعد المجيء من المدارس في الغسالات، ثم في النشافات ويثنون الثياب، ويعيدونها إلى الخزانات. وهم أيضاً يطبخون طعامهم ثم يغسلون الأطباق. هذا الروتين الصاعق لنا هو أمر عادي جداً بالنسبة لهم ولصغارهم. لو تعلمنا ولو قليلاً بعضاً من هذه العادات الحياتية الحضارية، وطبقنا بعضاً منها في مدارسنا وبيوتنا وشوارعنا لنظفت الأوطان. كما يجدر بنا أيضاً إلقاء الضوء على أهمية الفيديو المتداول للشاب القطري. وأن نميز بين الإعلام الرسمي والخاص، كما انعكس في دور هذا الشاب، الذي يمثل زمن الـ«سوشال ميديا»، حيث يمكن أن تقوم هذه النوعية من الإعلام الجديد بأدوار توعوية كبيرة، قد تنافس الإعلام الممول، الذي قد تصرف عليه أموال طائلة توازي في بعض الأحيان ميزانيات دول فقيرة. من دون طائل!
فلسطين حاضرة أبداً: ومن أمام الملعب نفسه انتشر فيديو آخر، وبشكل ملفت، لشاب إسرائيلي، وهو يحاول جاهداً أن يحاور المشجعين العرب، لكن من دون جدوى. لم يجبه أحد. فقبل الإجابة على سؤاله، ولمجرد المعرفة بأنه مراسل لقناة إسرائيلية، تركه المشجعون واستداروا مكملين طريقهم. لقد سأل المراسل الإسرائيلي شاباً قطرياً: هل أنت من قطر؟ أجابه بنعم. وأضاف: لكن قل لي أنت تابع لأي تلفزيون؟ أجابه وبكل وقاحة: للتلفزيون الإسرائيلي. حينها لم يقبل الشاب القطري بمتابعة الحوار، وتابع سيره بسرعة متجاهلاً المراسل. أما بعض الشبان اللبنانيين فقد أصروا على تصحيح معلومات المراسل، مؤكدين أن لا وجود لإسرائيل وبأنها فلسطين ثم تركوه أيضاً ومضوا. ذلك المشهد العربي المشرف، الذي توحد فيه الشباب العرب، يؤكد بأن فلسطين لا تهزم أبداً وبأنها تنبض في قلب كل عربي أصيل.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article