51 :عدد المقالاتالجمعة2.12.2022
 
 

 

الصحافة العربية :

7 - ودائع الدول الخليجية تخفف الضغوط عن الجنيه المصري(ودائع الامارات 10.7 مليار دولار)(العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

- (تمديد الوديعة السعودية أنقذ القاهرة من تآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي - الجنيه يفقد قيمته مقابل الدولار): خففت الودائع الخليجية جانبا كبيرا من الضغوط التي تتعرض لها العملة المصرية بسبب استمرار ربط الجنيه بالدولار، وأسهمت في دعم الاقتصاد لمواجهة أزمة حادة يتعرض لها نتيجة نقص العملات الأجنبية في البلاد، ما دفع الجنيه المصري إلى التراجع كثيرا أمام الدولار في الفترة الماضية.
القاهرة – جددت المملكة العربية السعودية دعمها للاقتصاد المصري وأعلنت قبل أيام تمديد أجل استحقاق وديعتها البالغة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري لمدة عام آخر، وهي الخطوة التي أثارت ارتياحا مؤقتا لأنها خففت جزءا من وطأة الشح الحاصل في العملات الأجنبية، بما انعكس على العديد من المناحي الاقتصادية. تلقت مصر الوديعة السعودية في مارس الماضي كجزء من حوالي 22 مليار دولار تعهدت بها دول مجلس التعاون الخليجي للمساعدة في دعم المالية العامة لمصر واحتواء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على اقتصاد البلاد. وكشف تقرير للبنك المركزي المصري في أغسطس الماضي أن إجمالي ودائع أربع دول خليجية، هي السعودية والإمارات وقطر والكويت، طويلة الأجل في البنك 15 مليار دولار، بينما تبلغ الودائع قصيرة الأجل 13 مليار دولار، بقيمة إجمالية قدرها 28 مليار دولار، من بين 33 مليار دولار هي الاحتياطي المصري في الوقت الراهن.
وتبلغ ودائع السعودية طويلة وقصيرة الأجل 10.3 مليار دولار، بينما تصل ودائع الإمارات إلى 10.7 مليار دولار، وتملك الكويت وديعة في البنك المركزي المصري بنحو 4 مليارات دولار، وقطر 3 مليارات دولار. ويأتي الحديث عن الودائع الخليجية بمصر حاليا في فترة تواجه فيها البلاد مجموعة من التحديات، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وانخفاض عائدات السياحة، وتخارج العديد من المستثمرين الأجانب من أدوات الدين بالأسواق الناشئة، وكلها أمور تضغط على ميزان المدفوعات. وتدعم الودائع الخليجية الاستقرار الاقتصادي في ظل معاناة مصر من فجوة تمويلية كبيرة وضغوط جراء سداد فوائد وأقساط القروض، ويمنح تمديد أجل الودائع، كما فعلت الرياض أخيرا، القاهرة فرصة لالتقاط الأنفاس. ويوفر استمرار الودائع الخليجية خيارات عدة أمام الحكومة المصرية بتوجيهها إلى احتياجات تمويلية أخرى بدلاً من ردها، وذلك باستخدامها في دعم الاحتياطي النقدي أو في استيراد السلع الأساسية، وهي خطوة تسهم في تخفيف الضغط على الجنيه.
وقال الخبير المصرفي هاني أبوالفتوح إن البنك المركزي المصري مازال يدعم ويتدخل إداريًا في تحديد سعر صرف الجنيه، في ظل النقص الحاد في الدولار داخل البلاد، واستمرار تقييد فتح الاعتمادات المستندية للمستثمرين. وعقب إعلان البنك المركزي عن تطبيق سياسة سعر الصرف المرن “التعويم الكاملة للجنيه” ارتفع سعر الدولار في البلاد من 19 جنيهًا إلى مستويات 22 ثم 23 جنيها وحاليًا بدأ يتجاوز نطاق الـ24 جنيهًا، وإذا كان يشهد ارتفاعات طفيفة على فترات فهذا يعني أن السلطات النقدية لا تزال تتدخل لضبط سعره. وأقرّ البنك المركزي اعتماد تلك السياسة في أكتوبر الماضي طبقًا لآلية العرض والطلب في السوق، وهو ما دفع الدولار إلى الصعود بنحو 25.5 في المئة خلال شهر إلى 24.6 جنيه، وبذلك يقفز بنحو 57 في المئة منذ مارس الماضي. ولا يتدخل البنك المركزي في تحديد سعر صرف الجنيه، إلا في حال وفرة الدولار بالبنوك وإمكانية شراء الأفراد للدولار من المصارف لأغراض السفر أو غير ذلك. ويلتزم البنك المركزي بعد التدخل بشكل مؤثر في تحديد سعر الصرف حسب اتفاقه مع صندوق النقد الدولي، وترك العملة في البداية، لكن الصندوق يتفهم أن البنك المركزي لا يملك كل خيوط اللعبة.
وأوضح هاني أبوالفتوح لـ”العرب” أن “أهمية الودائع الخليجية تكمن في أنها توجه لدعم السلع الإستراتيجية من الغذاء، وتعزز إمكانية تغطية احتياجات البلاد لمدة ستة أشهر، كما أن الفترة الحالية حرجة مع ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا، وبالتالي زيادة أعباء القروض والحاجة الماسة إلى ثبات أو زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي”. وراهن المركزي المصري على عدد من العوامل عند اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف لكنها لم تتحقق عمليًا، منها عدم زيادة تحويلات العاملين في الخارج، وعدم تنازل الأفراد عما في حوزتهم من العملة الأجنبية، واستمرار رواج السوق السوداء. وتصل قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر إلى نحو 33 مليار دولار، ومن ثم فإن قرار تمديد الوديعة السعودية أنقذ الاحتياطي في البلاد من التآكل، حيث كان سيهبط إلى 28 مليار دولار، ما يفتح الباب لمضاربات على الدولار في السوق السوداء، وهي السوق الموازية للسوق الرسمية. وتتعدد حلول أزمة سعر العملة في مصر، لتشمل أدوات عاجلة أولاها الاقتراض بآجال طويلة والإسراع في تنفيذ برامج تخارج الحكومة من شركاتها عبر بيعها لمستثمر إستراتيجي أجنبي، كما توجد آليات على المديين المتوسط والطويل مثل زيادة الصادرات وتوطين الصناعة وترك الواردات تدريجيًا.
وعلى الرغم من أن الودائع الخليجية تعد سيولة إضافية لدى السلطات في مصر، لكن استخدامها محصور في نطاقات ضيقة مثل تأمين احتياجات البلاد من الغذاء، ولا يمكن من خلالها حل أزمة الصناع أو المستوردين، لكنها بمثابة طمأنة قوية تعزز استقرار العملة مؤقتًا في البلاد. وأكد أبوالفتوح لـ”العرب” أنه “ليس منطقيًا أن تعلن الحكومة عن أغراض استخدام الودائع الخليجية، فهي تعد دعمًا غير منظور للبلاد، غير أنها في صميم عمل البنك المركزي الذي يتخذ آليات تعزز ثبات العملة قدر الإمكان”. ومع مساعي تمديد أو الحصول على ودائع خليجية جديدة، فتحت القاهرة أبواب الاستحواذ على شركاتها من قبل الأجانب، وطرح الشهادات الدولارية بعائد جذاب، ما يستقطب الكثير من الزبائن، بجانب الإعلان عن مبادرة إعفاء سيارات المغتربين من الرسوم الجمركية مقابل وديعة دولارية. وأشارت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي إلى أن ودائع الخليج تدعم بقوة الاقتصاد المصري، إلا أن الاحتياجات الكبيرة من الاستيراد تدفع البلاد إلى البحث عن قنوات جديدة مثل الاقتراض من صندوق النقد كثقة تعزز تدفق الاستثمار المباشر إلى البلاد.
وأضافت لـ”العرب” أن “الودائع الخليجية منحت الحكومة فرصة لالتقاط الأنفاس من أجل سداد ديونها وتحديد جدول زمني لمواجهة أعباء الاقتراض من المؤسسات الدولية”. ومثّلت هذه الودائع خطوة تمهيدية للسلطات المصرية من أجل تخفيف ضغوط التمويل قصير الأجل وأسهمت في قرْب حصول البلاد على قرض من صندوق النقدي الدولي”. وبدأت المفاوضات بين القاهرة وصندوق النقد الدولي منذ مارس الماضي، وهي بداية تلقّي البلاد للودائع الخليجية، ولم يتم التوصل إلى اتفاق إلا في شهر أكتوبر الماضي على أمل أن تحصل البلاد على أول شريحة خلال شهر ديسمبر الجاري. ونجحت مصر في الوصول إلى اتفاق بشأن قرض قيمته 9 مليارات دولار، بينها 3 مليارات دولار من صندوق النقد، ومليار دولار من صندوق الاستدامة والمرونة، و5 مليارات دولار من الشركاء الدوليين.
من ناحية أخرى تبذل السلطات النقدية جهودا كبيرة لزيادة مواردها الدولارية حيث عقد محافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله اجتماعًا قبل أيام مع رؤساء البنوك العاملة في السوق المحلية ناقش فيه مقترحات تتعلق بزيادة حصيلة البنوك الدولارية في الفترة المقبلة، منها كيفية جذب الشركات السياحية لوضع حصيلتها الدولارية في البنوك. وشهدت الفترة الماضية، بتعليمات من محافظ المركزي السابق طارق عامر، عمليات تمويل لشركات السياحة بالجنيه المصري، ما دفعها إلى عدم إيداع حصيلتها من الدولار في البنوك المصرية. ويسعى البنك المركزي للتركيز على دراسة ضوابط تسعير الجنيه المصري وربطه بسلة عملات، إلى جانب فتح حوار حول المشتقات الدولارية والتشديد على منح أولوية قصوى لتوفير العملة الصعبة لمستلزمات الإنتاج والخدمات. وذكر الخبير الاقتصادي المصري سعيد الفقي أن ودائع الخليج تساند الاقتصاد المصري بقوة، حيث توجه أموال الودائع إلى قنوات تسهم في توفير احتياجات الدولة والشركات. وأشار لـ”العرب” إلى أن “تلك الأموال تستخدم عمليا في دعم ومساندة العملة المصرية ومنع انفلات أسعار الدولار في مصر بصورة كبيرة، بما يضاعف من صعوبة السيطرة عليها في ظل النقص الحاد في توفير العملات الأجنبية”. ويقول خبراء إنه لا يوجد بنك مركزي في العالم، خاصة في البلدان الناشئة والنامية، يسمح لآليات العرض والطلب بتحديد سعر عملته بشكل مرن تماما، ويأتي التدخل بشكل كبير في حال تحرير سعر الصرف المدار، أما في حال سعر الصرف المرن فتكون تدخلات السلطات النقدية قليلة، لكنها قائمة خوفًا من انهيار عملتها.
وتكمن أهمية الحفاظ على استقرار سعر الصرف أو عدم ارتفاعه بشكل قياسي في السيطرة على معدلات التضخم، فضلاً عن منع التأثير السلبي على الصناعة لارتفاع معدلات الفائدة على الاقتراض. وتشهد الفترة الحالية حالة من عدم الاستقرار في أوساط الشركات العاملة في مصر نتيجة عدم توفير الدولار، ومن ثم عدم القدرة على تشغيل المصانع. كما أن العامل السلبي الأكثر تأثيرًا على سعر العملة هو الإعلان عن أسعار صرف للدولار من جانب تجار الذهب وغيرهم أعلى من الأسعار المعلنة في البنوك، ما يعزز انتشار السوق الموازية، ولم تتحرك الدولة لمواجهة ذلك حتى الوقت الراهن. وطالب سعيد الفقي في تصريحه لـ”العرب” بضرورة قيام السلطات المصرية بتوفير الدولار في البنوك بسعر عادل، من أجل القضاء على السوق السوداء وزيادة إقبال الأفراد على بيع الدولار في البنوك، لأن قرار التعويم الحر “المرن” المطبق حاليًا تأخر نحو ثمانية أشهر عندما بدأ الدولار ينخفض في البنوك والأسواق الرسمية. ولم يقتصر الدعم الخليجي لمصر على الودائع فقط، بل شمل اتفاقيات بين صناديق الثروة السيادية في بعض الدول الخليجية مع صندوق مصر السيادي، وقد وقع الأخير اتفاقية مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي في العام الجاري بشأن استثمار الثاني في عدد من المشروعات والشركات المصرية. ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة اتخاذ إجراءات فورية لجذب استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار بالتعاون بين الصندوقين في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والزراعة والقطاعات المالية.
وأعلنت قطر عزمها على استثمار 5 مليارات دولار في مصر، وضخت شركة “إيه دي كيو” الحكومية الإماراتية التابعة لصندوق أبوظبي السيادي استثمارات تمثلت في الاستحواذ على حصص من عدة شركات مدرجة في البورصة المصرية. وتترقب السوق المصرية استثمارات خليجية كبيرة في مجالات الطاقة النظيفة، على رأسها الهيدروجين الأخضر، وفي مجالات تحلية المياه، وهي جزء من مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال فعاليات مؤتمر المناخ الأخير بشرم الشيخ، ما يترتب على ذلك ضخ المزيد من العملات الصعبة ونمو الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article