63 :عدد المقالاتالاربعاء8.12.2021
 
 

 

الصحافة العربية :

14 - صورة إيران فى العالم العربى(السفير د. عبدالله الأشعل)(راي اليوم)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

من الضرورى أن ننبه إلى أن الرأى العام العربى هو مجرد انطباعات ويتأثر تأثرا مباشرا بالعديد من الاعتبارات كما أنه لا يمكن قياسه قياسا علميا منضبطاً من ناحية أخرى فإن سلوك إيران لا يكفى فيه أن تكون مقتنعة به وإنما مطلوب منها أن تحرص على صورتها أمام الرأى العام العربى وأن تدرس بأمانه هذه الصورة ولا تتوقف طويلا أمام الفكرة الحقيقية وهى أن الرأى العام لا يشكل السياسات الرسمية وإنما يتشكل من السياسات الرسمية وهذه ظاهرة مؤقته لا يجوز الاطمئنان إليها كما أن تحسين الصورة لابد أن يتم بطريقة علمية وليس بالدعاية الكاذبة كما هو الحال فى إعلام النظم العربية. ولاشك أن إيران بحاجة إلى الرأى العام العربى وليست بحاجة إلى استمالة الحكومات العربية التى تتأثر بتوجهات واشنطن، فإيران يشكل العالم العربى بالنسبة لها الوسط الطبيعى لأن إيران أدارت ظهرها جغرافيا وسياسيا إلى آسيا منذ قرون ووجهها صوب الخليج والمنطقة العربية. ودراسة هذا الموضوع تقتضى متابعة صورة إيران فى عدة مواقع: الموقع الأول هو إيران نفسها: حيث تؤيد الجماهير العربية إيران بشكل عام باعتبارها دولة إسلامية ولكن صورة إيران لدى التيارات الإسلامية الآن متباينه فإيران كدولة يحترمها الرأى العام العربى ولكن هو بحاجة إلى معلومات عنها. صحيح أن الثقافة الإيرانية متداخلة مع الثقافة العربية وتاريخ إيران متداخل مع التاريخ العربى ولكن الظروف الراهنة تجعل ذلك ليس كافيا لتحسين الصورة كما أن عائق اللغة والإعلام الإيرانى الموجه باللغة العربية مثل قناة العالم يتأثر لدى الرأى العام العربى بالانقسامات الحادة التى تؤثر فى الصورة وترتيبا على ذلك فإن اهتمام الرأى العام العربى بالشؤون الإيرانية ضعيف فلايحرص كثيرا على متابعة التطورات فى إيران ثم أن هذا الرأى العام خاصة المستنير يأخذ على إيران عدة مآخذ المأخذ الأول أنها تتعامل مع العرب بدرجة من درجات التعالى وربما يكون لهذا التعالى مبرر معاصر وتاريخى ولكن إدارة وتحسين الصورة وتشكيلها يحتاج إلى التخلى عن هذه النظرة .
المأخذ الثانى هو أن الرأى العام العربى إما معادى لواشنطن بسبب إسرائيل أو متأثر بالدعاية الأمريكية والإسرائيلية ودعاية التنظيمات الإسلامية ضد إيران وفى كل الأحوال فإن هذه الظاهرة تحتاج إلى تفكيك . أما مساعدة إيران للمقاومة فإن شريحة من الرأى العام العربى لا تقدر هذا العمل وإنما تعتبره كالجامعة العربية مساعدة على الإرهاب مادامت المقاومة ضد إسرائيل أصبحت فى عرفهم إرهابا. وجدير بالذكر أن المسيطر على الإعلام وعلى المؤثرات المختلفة فى الرأى العام فى الخليج بالذات مرتبط إرتباطا وثيقا بموقف الحكومات من إيران تارة لأنه يعتقد أن الحكومات هى الأقدر وتارة أخرى بسبب ارتباط مصالحهم مع هذه الحكومات كالتجار والمستثمرين وغيرهم . المأخذ الثالث هو رواسب بعض المواقف المعادية للشيعة بالاضافة إلى الفتنة الطائفية فى العراق وكذلك نصوص الدستور الإيرانى التى تغفل المواطنة الإيرانية لنسبة من المكون السنى فى الشعب الإيرانى كما أن قضية الأحواز تستأثر ببعض الاهتمام العربى كلما اشتد الصراع بين إيران وجيرانها العرب.وتري ايران انها مفتعلة
صحيح أن خطاب إيران الرسمى خطاب ايجابي يدعو إلى التقارب ولكن هذا الخطاب لابد أن تعززه آليات من خلال الحوار.
الموقع الثانى هو سوريا: الرأى العام العربى منقسم قسم يؤيد الحكومة السورية وحلفاءها ويأسي لسقوط الضحايا من المدنيين ويلقى باللائمه على المسلحين الذين يقتحمون المسرح السورى فيتسببون فى لجوء السكان وهجرتهم ومصاعب الحياة بالنسبة لهم. قسم آخر ينظر إلى المشهد السورى من زاوية الصراع بين الشعب والسلطة قياسا على الثورات العربية الأخرى فيؤيد الثورة والمعارضة ضد الحكومة ويدين قمع الحكومة للمعارضة . قسم ثالث متأثر بدعاية المعارضة المسلحة والمسلحين العرب والأجانب فيرون أن الحكومة السورية يجب أن ترحل وأن يحل محلها حكم إسلامى وهذا الفريق يغفل عن معادلات الصراع فى سوريا لأن الذى يقرر مصير سوريا هو أطراف متعددة لا يدركها هذا التيار وفى المشهد السورى يرى هذا التيار إيران تتدخل فى الشؤون الداخلية لسوريا وتقتل المدنيين السنة وكأنها ذهبت خصيصا لقتل السنة ولا يشفع عندهم أن إيران تؤيد المقاومة ضد إسرائيل وربما ينضم هذا الفريق إلى من يعتبرون المقاومة إرهابا .
الموقع الثالث هو اليمن: حيث تقف السعودية فى طرف ومع حلفاء يمنيين وعرب وتقف إيران فى الجانب الآخر مساندة للحوثيين وهم من مكونات الشعب اليمنى وفى المشهد اليمنى يتمزق الرأى العام العربى قسم منه يرى أن كل الأطراف الخارجية يجب أن تترك اليمن لأهلها وقسم ثان يرى أن إيران تحارب السعودية من خلال اليمن ولو أنصفت لحاربت السعودية مباشرة وهم جيران قريبون لا يحدهما إلا الخليج العربى قسم ثالث يرى أن السعودية هى المعتدية ومعها التحالف العربى بشهادة عدد من الأوساط الدولية ومنها الولايات المتحدة وأن هذه الحرب التى تشنها السعودية على الحوثيين حرب عبثية تنزل الضرر باليمن واليمنيين دون نتيجة إيجابية . وقسم رابع يرى أن الحوثيين لا يدافعون عن أنفسهم داخل اليمن وإنما يعتدون على الأراضى السعودية وأن هذا الاعتداء مدعوم من إيران ولكن الرأى العام جميعا بأقسام مختلفة يؤيد وقف إطلاق النار والحوار بين اليمنيين تحت رعايا مناسبة وأن تتحول السعودية وإيران إلى رعاة للحوار بدلا من تأجيج الصراع وربما كان الملف اليمنى على قائمة الحوار السعودى الإيرانى الجارى حاليا.
الموقع الرابع هو العراق: فقد نظرت إيران إلى العراق بعد اتهام صدام حسين بالاعتداءعليها على أنه مهدد لأمنها القومى ولابد من أن تسيطر على مقدراته وقد ساعدها فى ذلك واشنطن والتطورات التى شهدتها المنطقة منذ سبعينات القرن الماضى وقد انقسم الرأى العام العربى فى المسألة العراقية الي عدة اقسام : قسم يؤكد أن العراق يجب أن يكون عربيا وهو عضو فى الأسرة العربية وأن يقيم أفضل العلاقات مع إيران ولكن يتحلى بالديمقراطية وليس الطائفية وقسم آخر يرى ما رأته الولايات المتحدة من قبل ضد العراق لتقسيمه واعطابه وهو أن الشيعة أكثرية وأن من حقهم أن يتولوا السلطة ولكن كانت تلك حجة لحق أريد به باطل فقد هدفت واشنطن من هذا الطرح إلى إبادة السنة بإعتبارهم فى نظر واشنطن هم البعث وهم أنصار صدام حسين وهم المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكى .وقسم ثالث يدعو إلى تهيئة الظروف داخل العراق لكى يتوازن العراق بسكانه جميعا وأن تحترم الدول المجاورة مصالح الشعب العراقى وأنا أنتمى إلى هذا الفريق.
الموقع الخامس هو لبنان: ذلك أن إيران دخلت على لبنان الذى كان تحت الهيمنة المصرية ثم الخليجية ولا تفارقه عين إسرائيل وكان لبنان ضحية للصراع العربى الإسرائيلى لأنه من المواقع الهامة للعروبة والفكر القومى ومجتمع نابض بالحياة وعندما دخلت إيران على لبنان ساهمت فى إنشاء حزب الله وقت الاحتلال الإسرائيلى لبيروت وأصبح المكون الشيعى طرفا أساسيا فى نظام الطوائف اللبنانية وأصبح عنوانا للمقاومة فى وقت قلت كثيرا مظاهر الدولة اللبنانية ولكن دخول إيران إلى لبنان لنصرة المقاومة لم يكن السبب فى انحسار العالم العربى عن هذا الصراع ولكن ظهور إيران كان مناسبة للمتربصين لتطوير فكرة أن إيران اخطر من إسرائيل على العرب وهذه فكرة من وحى الدعاية الإسرائيلية والأمريكية بعد أن دخلت مصر فى بيت الطاعة الأمريكى وأصبحت المنطقة العربية بلا قيادة وقد تطور وجود إيران فى لبنان إلى الدخول غلى المسرح السورى على أساس أن الحكومة السورية مستهدفه من المسلحين وإسرائيل وأن الحكومة السورية هى الحلقة الوسطى بين إيران والمقاومة فإذا سقطت كان لسقوطها أثار مدمرة على إيران والمقاومة معا وليس صحيحا أن إيران تمتهن مهنة المقاومة ولكن الصحيح أنها تساند المقاومة انطلاقا من مبدأ الثورة فى مساندة المستضعفين وكذلك لمناوءة المشروع الصهيونى الذى يتصادم مع المصالح الإيرانية ولاشك أن استقرار لبنان يتوقف على الحوار بين السعودية وإيران حول كل هذه القضايا مادامت واشنطن تشجع هذا الحوار.
فصورة إيران فى لبنان مرتبطة بوضع الشيعة والمقاومة على خريطة الرأى العام اللبنانى فالمعسكر السعودى ضد إيران والمقاومة وحزب الله وضد امتداد النفوذ الإيرانى إلى سوريا ومساند لإسرائيل وهو النمط السائد فى كل قطاعات الرأى العام العربى خارج هذه المواقع الخمسة. ونقطة البداية فى إصلاح الصورة هى تشكيل لجنة من العرب والإيرانيين للحوار فى كل هذه القضايا وأن تكون أعمال اللجنة مفيدة للحوار الرسمى وتغذيه كما أقترح أن تتشكل جبهة عربية رسمية للحوار مع إيران لأن السعودية بحكم وضعها لا تمثل العالم العربى فى هذا الحوار.(كاتب ودبلوماسي مصري)
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article