0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

23 - عن دول الثورة ودول الثروة(عبدالله بشارة)(العربية نقلاً عن القبس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

قرأت كتاباً ألفه السفير سيد أبو زيد، سفير جمهورية مصر العربية في بغداد، خلال فصول الغزو، واسم الكتاب «مصر وعراق صدام حسين»، وسجل ما سمع وما شاهد، وما قرأته في هذا الكتاب الذي خرج باعتدال في موضوعيته، وأبرز موقف مصر، ولم يتأثر في تدوينه للكتاب بما يسعد النظام العراقي، فقد كشف عن ضمير صادق في ما سجل. وقد أثارني ما سجله حصيلة مقابلته مع وزير الداخلية العراقي، واسمه سمير عبدالوهاب الشيخلي، حيث زاره في مكتبه في الوزارة، ومعه بعض مساعديه من السفارة المصرية، وبعد الانتهاء من تبادل المواقف المعروفة في المقابلات، طلب الوزير العراقي من السفير المصري أن يبقى بمفرده من دون المستشارين، كما أنه طلب من أعوانه في الوزارة الانتقال إلى مكتب آخر، لكي ينفرد مع السفير في مناقشات خاصة.
ويدون السفير المصري أن الوزير العراقي بدأ بالتعبير عن استغرابه، والعراق، من موقف مصر من ضم الكويت للعراق، مضيفاً أنه كان يتوقع الترحيب وليس المعارضة، ويستمر في شرح معاناته والعراق ودول الثورة من دول الثروة، وأن العراق ومصر في مركب واحد، وضم الكويت جاء من أسباب تاريخية وقانونية وجغرافية واقتصادية. ويتساءل الوزير العراقي: لماذا لا تقوم مصر من جانبها بضم ليبيا، فمصر تعاني من ضعف في مداخيلها، وهو تحقيق عملي للوحدة العربية التي نؤمن بها جميعاً، رد السفير المصري بأن موقف مصر من ضم الكويت يستند إلى ما تؤمن به من مبادئ في مقدمتها احترام سيادة الشعوب وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن الساحة الدولية ستعود إلى عصر الغابة، أو طبيعة البداية، لو سارت على نهج أن الكبير يحق له التهام الصغير، ناهيك أنه قد صدرت مجموعة قرارات من مجلس الأمن تدعو العراق إلى الانسحاب من الكويت والحفاظ على الشرعية فيها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وهي قرارات واجبة التنفيذ، ويقاطعه الوزير العراقي قائلاً: «دلني على قرار صدر من مجلس الأمن بخصوص فلسطين قد تم تنفيذه، متهماً المنظمة الدولية بازدواجية المعايير»، فرد السفير المصري قائلاً: «ما ذنب الكويت في ازدواجية المعايير، وإننا كدول صغرى ومتوسطة ليس لنا في المعترك الدولي ملاذ نلجأ إليه سوى المنظمة العالمية، وقواعد الشرعية الدولية، وعلينا دعمها بدلاً من اضعافها»، وينتهي الحوار بقول السفير أبو زيد: «أنهى الوزير الشيخلي النقاش بأنه لا فائدة من النقاش معي، وأنهم لا يضمرون سوءاً للسعودية أو أي دولة عربية أخرى».
والحقيقة أن المزاج الثوري صاحب الصوت القوي في القرن الماضي يعاني من حيرة تضخم الوعود وندرة الانجاز في مسارات التنمية، مع عجز بارز ليس في ما يختص بالتنمية فقط، وإنما في الطموحات السياسية، ليس فقط الوطنية وإنما تمتد الطموحات والوعود إلى أحلام الأمة العربية، لا سيما حول فلسطين وهموم الشعب الفلسطيني مع تأكيد الالتزام بحمل تبعات مسؤولية المواجهة، كما تواصلت ربط إمكانات الخليج بحقوق الأمة العربية فيها، وتكاثرت الإصدارات عن الحق العربي في تراب الخليج وفي ثرواته. ولم يتوقف تسويق هذا التوجه في مطبوعات الأحزاب القومية والبعثية والتجمعات السياسية المختلفة، لا سيما في حوض الشام والعراق، وربما في مواقع في اليمن، وأخطر ما في هذه الأطروحة يأتي في ما تحمله هذه التجمعات، خاصة النظام العراقي البعثي من تحريض ضد دول الخليج، حاملة الكراهية والدعوة إلى المواجهة وتوظيف وسائل العنف، وأكثر من ذلك تبني النظام العراقي الدعوة لغزو هذه الدول من أجل انتزاع الحقوق العربية الثورية، خاصة أن الدول الثورية تتحمل أضخم المسؤوليات في النظام العربي وتبني جيوشاً مجهزة بأسلحة حديثة، امتثالاً لمسؤولياتها تجاه الأمة وتجاه فلسطين، بينما الدول التي تحتكر الثروة العربية تظل رمزية في وجودها داخل المشاركة العربية لنيل الحقوق.
وبهذا التوجه المملوء بالكراهية، مارس القياديون في حزب البعث العراقي منهجاً ضد الكويتيين، تمثل في خطب يكررها صدام حسين عن لؤم الكويتيين وعن فسادهم وتدني أخلاقهم، موجهاً هذا التحريض المريض ضد الكويت وأهلها، داعياً العراقيين للاستعداد للمواجهة، ولم يسلم الخليجيون الآخرون في المملكة والإمارات ودول الخليج الأخرى من تحقيرات تتواصل من قيادة العراق بتصغير مكانتهم وشيطنتهم وتصويرهم كمجموعة منزلقة في إثم الملذات، مبعثرة أموال الأمة العربية في النزاعات. تتضمن هذه التسجيلات التي نسمعها من صوت صدام حسين يشرح فيها أمام الجيش العراقي وأمام التجمعات الحزبية خسة الكويتيين ودونيتهم في الحياة، بنغمة الكراهية، مع اندفاع لا يمكن التستر عليه للقضاء عليهم بالقوة وبأي وسيلة أخرى. ولا يمكن لنا أن ننسى أن هذا الموقف المريض من القيادة العراقية كان موجهاً ليس للشعب العراقي فقط، وإنما إلى العرب جميعاً، مع حرص على توصيله إلى مخيمات اللاجئين في الضفة وفي سوريا ولبنان والأردن.
كانت الدعوة لتوظيف العنف ضد الخليجيين الذين أفسدتهم الثروة العربية التي احتكروها لأنفسهم، كانت حملة الكراهية هي احدى الآليات الكثيرة التي ابتدعها صدام حسين وجماعته للحصول على تأييد جماهيري عربي يتصدى للحكومات العربية التي رفضت الغزو وعارضته بقوة وأربكت تصورات الزعيم العراقي، فيتوجه للشعب المصري ساخراً من قيادته، داعياً إلى مواجهة قوية ضد حسني مبارك، وضد الحكم في سوريا، وأكثر من ذلك يلعب على شهية التوسع بالاقتحام والاحتلال العسكري لأراض خليجية تتعارض سياستها مع الدول النفطية الخليجية، كما طرحها الوزير العراقي ناصحاً السفير المصري باحتلال ليبيا. كانت ظاهرة تدل على سقوط أخلاقي من قبل صدام وجماعته في عدائهم لأهل الخليج الذين أعطوه كل ما يريد خلال حكمه الدموي، خاصة الكويت التي أخذ جميع ما تملكه من أسلحة خلال حربه مع إيران، حتى الأسلحة الأميركية الممنوعة من الخروج من الكويت، التي فتحت خزائنها وموانئها ومطاراتها له، استعملها العراق لحربه مع إيران، ورغم ذلك لم يعترف بالجميل وألف أطروحة تصورها ستؤثر في دبلوماسية الخليج، وهي أن العراق وفر الحماية التامة لدول الخليج من التدخل الإيراني، ولولا هذا الدور لاحتلت إيران ما تريد من أراضي الخليج، وصارت هذه التوليفة أهم أطروحات النظام العراقي في المداولات العربية، وغير العربية وربما غير مدرك أن سلامة الخليج وأمنه مرتبطان بقوة وبصلابة بأمن الأسرة العالمية، وليس بحاجة إلى مساندة من صدام حسين ونظامه.
فقد جاء تحرير الكويت من اجماع عالمي شاركت فيه 35 دولة، في تأكيد بارز على ان أمن الخليج محصن بإرادة عالمية، لم يستوعبها صدام حسين وعصابته، وحمله الغرور إلى التطاول على حقائق العالم، فانتهى بدراما مثلما عاش فيها طوال حياته. تحرير الكويت بتآلف عالمي كان درساً لأصحاب الأحلام الذين تأخذهم الأوهام إلى قيام دولة عربية موحدة بثروة موحدة وجيش عربي موحد، ينصف المظلومين ويحمي الضعفاء ويخيف الطامعين، ويحقق التمنيات التي صاغتها قصائد الشعر العربي حول انبهار العالم بالمجد العربي. تحرير الكويت انتشل عالم العرب من أوهام الوطن الموحد وأزال أوهام صدام حسين في التطاول على حقوق أهل الثروة، ودفع المتوهمين للإدراك بأن العالم العربي يتشكل من دول ذات سيادة لشعوب لها هويات متباينة، وكل دولة لها حدود وسيادة على أراضيها ولها حق في ثرواتها لا ينازعها فيه آخرون. ومن الاعتراف بهذه الوقائع يأتي التضامن العربي والتفاهم، ويتأكد واجب القادر من الدول على المساهمة في تنمية المستحق من أعضاء الجامعة العربية ومن أبناء الأسرة العالمية، نهاية نظام صدام حسين أعادت العلاقات العربية إلى الهدوء البناء وأنهت أوهام قطّاع الطرق في مضايقة أهل الثروة في ما يملكون.

********************************
**********
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article