50 - صحيفة إسرائيلية: أردت الإصلاح: هكذا أقض السيسي مضاجع الأحياء والموتى من شارعه الجديد(تسفي برئيل)(القدس نقلا عن هآرتس)
“أريد منكم أن تقبلوا تفسيري للظروف الاقتصادية (التي تمر بها مصر). أشكركم على صبركم وتحملكم لهذا العبء. وأطلب من الله مساعدتنا جميعاً. لم أفعل ما يسيء إلى مصر في كل قرار أو سياسة اتخذها. لا نمس بأحد، وبالإجمال نريد فعل الخير”، هكذا توجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، للمواطنين الذين شاركوا في احتفال افتتاح عدد من المشاريع في محافظة بني سويف، السبت. ولكن باستثناء اتهام الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار الحبوب، لم يكن لدى الرئيس المصري أي تفسيرات حقيقية قد تقنع المستمعين أو الجمهور. هم أيضاً لم يجدوا عزاء في قوله “بدون السياسة الحكيمة” التي اتبعتها الحكومة، لساء الوضع وبات أصعب.
المواطنون المصريون الذين تعرضوا لارتفاع بمئات النسب المئوية على أسعار المواد الأساسية مثل الوقود والكهرباء، يجدون صعوبة في فهم سبب معاناة دولة ذات مخزون ضخم من الغاز، وانقطاع للكهرباء. تفسير السيسي أيضاً لا يوفر إجابة عن سبب بناء الدولة مشاريع ضخمة تبذر الأموال، في الوقت الذي يضطر فيه المواطنون إلى العمل نوبتين أو ثلاثاً في اليوم لإعالة أنفسهم. أحد هذه المشاريع الذي أثار مؤخراً عاصفة عامة ضخمة هو شق طريق يربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة 60 مليار دولار. حسب الخطة، فإن الشارع يمر في أحد الأماكن التاريخية الهامة جداً في مصر، “مدينة الموتى”، التي أعلن عنها في 1979 كجزء من المواقع الأثرية في اليونسكو والتي تشمل مصر القديمة. هذه المدينة منشأة كبيرة تحتوي على القبور والأضرحة، والتي بنيت قبل نحو 1400 سنة، ومدفون فيها صحابة النبي محمد وعسكريون من بداية الإسلام، إلى جانب خلفاء وشعراء ومفكرين ورموز ثقافية من تاريخ مصر.
مؤخراً، تفاجأ المصريون من مشاهدة الجرافات تهدم قبوراً قديمة لها قيمة تاريخية عظيمة. الاحتجاج والشكاوى ضد الحكومة ووجهت بحائط مسدود. وقرر الرئيس في الشهر الماضي تشكيل لجنة تفحص بدائل هذا الشارع. وأعلن عن نيته إقامة “حديقة الخالدين” التي سيتم نقل رفات الموتى إليها. وأوصت اللجنة بوقف المشروع، وأوضحت أن زمن السفر من القاهرة إلى المدينة الجديدة سيكون بضع دقائق فقط. بقيت هذه التوصية على الورق، في حين واصلت والجرافات العمل، واستقال معظم أعضاء اللجنة. وفي هذا الشهر، قرر الرئيس أخيراً وقف الأعمال إلى حين إعادة النقاش. ليس كبار الأمة وحدهم مدفونين في “مدينة الموتى”، بل فيها مكان لسكن مليوني مواطن لا يمكنهم شراء أو استئجار الشقق في الأحياء العادية. هم يخافون وبحق من يؤدي شق الشارع إلى طردهم من مكان سكنهم دون أن توفر لهم الحكومة بديلاً. نشطاء الاحتجاج ضد شق الشارع يعتقدون أن وقف الأعمال مؤقت، وأنه يهدف إلى تهدئة الغضب العام. ولكن حتى لو تم وقف الأعمال بشكل نهائي، فسيبقى ما يكفي من الأسباب لاحتجاج نحو 110 مليون مواطن الذين يعيشون في الدولة ضد النظام.
يدرك السيسي جيداً الغضب الآخذ في الازدياد، وهو لا يكتفي بالخطابات الحساسة التي يشيد فيها بمناعة الشعب المصري. فحسب تقارير في وسائل إعلام عربية، فإن المخابرات المصرية تحذر من اندلاع احتجاج كبير للجمهور قد يهدد استقرار النظام. ربما يكون هذا سبب في أن مصر بدأت تستعد لانتخابات مبكرة ستجرى حسب التقديرات في نهاية السنة الحالية. في أوقات الأزمة، اكتفى السيسي حتى الآن بتغيير الوزراء، لكن انتخابات مبكرة تشير إلى خوف أكثر عمقاً. وعندما يدور الحديث عن زعيم ديكتاتوري مثله، فالشرعية الجماهيرية ضرورية حتى لو تعلق الأمر بمشهد استعراضي لا يعكس وبحق رغبة الجمهور. السيسي يمكنه وفقاً للدستور أن يبقى في المنصب حتى 2030، بعد أن وافق البرلمان والاستفتاء على تمديد ولاية الرئيس من أربع سنوات إلى ست. ولكنه يحتاج إلى الفوز في الانتخابات ليجسد هذا الحق.
منظمات حقوق الإنسان في مصر تعرف جيداً ما معنى انتخابات في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان في الدولة. في المرات التي تنافس فيها السيسي في الانتخابات، في 2014 و2018، رافقت الحملة الانتخابية حملة اعتقال وسجن لمن ينتقدون النظام. وحسب إحصائيات منظمات حقوق الإنسان، في مصر 60 ألف سجين سياسي تقريباً منذ انتخاب السيسي للمرة الأولى رئيساً. صحيح أن النظام ليس بحاجة إلى الانتخابات لوقف اعتقال معارضيه، لكنها تعطيه فرصة لتحطيم رأس أي تنظيم سياسي أو حركة تتحداه. “موقفنا من الوضع الخطير لحقوق الإنسان في مصر لم يتغير. ننوي طرح هذه المواضيع على أعلى المستويات”، قال وزير الخارجية الأمريكي هذا الشهر، أثناء أقوال تفسر قرار خصم 85 مليون دولار من المساعدة العسكرية لمصر. ولكن في كل سنة، يتكرر هذا النقاش بدون جدوى. يبدو أن السيسي قد يعول على صبر مواطنيه في هذه السنة أيضاً.
*****************************