0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

24 - عودة العلاقات بين مصر وإيران أبعد من السعودية(محمد أبوالفضل)(العرب)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

- (الهدوء صيغة مقبولة للقاهرة تحقق أهدافها - انفتاح مصري محدود.. لا صداقة ولا عداوة): تبدو الحسابات المصرية بالنسبة إلى إيران مختلفة عن الحسابات السعودية، وبعض التقاطعات فيها لا تعني أنها مرهونة بما يحدث من تقدم أو تعثر مع الرياض.
القاهرة - التفتت بعض الدوائر العربية إلى الشكل المتوقع للعلاقات بين مصر وإيران عقب اتفاق طهران مع السعودية على استئناف العلاقات الدبلوماسية، خاصة أن وزارة الخارجية المصرية ثم رئاسة الجمهورية أصدرتا بيانين متعاقبين بدا فيهما ترحيب بالخطوة بحكم ما يمكن أن تعكسه على الأمن والاستقرار في المنطقة. وأخذت اجتهادات الدوائر العربية ترتفع مع تصريح للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الاثنين ذكر فيه أن “إيران ومصر تقدران بعضهما البعض، والمنطقة في حاجة إلى القدرة الإيجابية والتآزر بين طهران والقاهرة”، مشيرا إلى محادثات جرت مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هامش قمة “بغداد 2” في العراق مؤخرا.
وتفيد التقارير الواردة من القاهرة أو طهران أن العلاقات بينهما هادئة، وثمة اتصالات مباشرة وغير مباشرة، سرية وعلنية، تتم بين الطرفين للحفاظ على الصورة الراهنة التي مكّنتهما من عدم حدوث احتكاكات سياسية أو أمنية عقب سقوط نظام الإخوان في مصر منذ نحو عشر سنوات. ولم تتجاوز إيران مصالح مصر أو تتدخل بشكل سافر في قضايا تهمّ أمنها القومي، بدءا من قطاع غزة وحتى باب المندب القريب من اليمن، مرورا بالعراق الذي انفتحت عليه القاهرة في السنوات الأخيرة وهو لا يزال يخضع لهيمنة إيرانية واسعة.
وتثمن إيران عدم مشاركة قوات عسكرية من مصر في حرب اليمن والتحفظ على انضمام عناصر برية لقوات التحالف العربي التي تقودها السعودية هناك، واقتصار دور القاهرة على مراقبة السواحل الجنوبية في البحر الأحمر ضمن خطتها لتأمين الممر الطويل المؤدي إلى قناة السويس. وجاءت قيادة مصر قوة المهام المشتركة 153 للقيام بدوريات في البحر الأحمر والعمل على مكافحة الأنشطة الإرهابية والترهيب في ديسمبر الماضي ضمن تشكيل دولي فرضته أسباب عسكرية متعددة لا تستهدف منه القاهرة طهران مباشرة أو الرغبة في تطويق نفوذها في المنطقة بمفردها. كما أن عبارة “مسافة السكة” التي أطلقها الرئيس السيسي لطمأنة دولة الخليج في بداية عهده كإشارة للدفاع السريع عن أمن هذه الدول حال وقوع اعتداء خارجي (من إيران) جرى تفريغها عمليا من مضمونها عندما تأكدت دول الخليج أن مصر غير مستعدة لتطبيقها على الأرض بعد اعتداءات مختلفة تعرضت لها السعودية، وهو ما أراح طهران وجعلها على يقين من أن القاهرة لا تريد صداما إقليميا معها.
وفتح التطور الحاصل بين إيران والسعودية وما رشح حول رغبة طهران تحسين علاقاتها مع كل من البحرين والمغرب المجال للحديث عن مصر، خاصة أن سياسة القاهرة بدأ يطغى عليها الميل نحو المصالحة، كما حدث مع قطر وتركيا، والحرص على عدم الوصول إلى حد القطيعة مع أيّ من خصومها في المنطقة. وهناك اعتقاد سائد في بعض الأدبيات أن مصر لا تريد تطوير علاقاتها مع إيران كي لا تغضب السعودية، وبموجبه تم نسج الكثير من السيناريوهات، وعندما بدأت الرياض تنفتح على طهران تردّد أن الطريق أصبح مفتوحا على القاهرة، خاصة مع اتساع نطاق الحديث عن توتر غير معلن بين مصر والسعودية، يحاول الطرفان تطويقه أو إخفاءه، غير أن بعض التلميحات لم تفلح في نفيه تماما.
وحصلت “العرب” على معلومات من مصدر مصري تؤكد أن القاهرة تدير علاقاتها مع طهران بدقة وبعيدا عن تأثيرات المكون السعودي، سلبا أو إيجابا، وأن الحسابات المصرية بالنسبة إلى إيران مختلفة عن السعودية، وبعض التقاطعات فيها لا تعني أنها مرهونة بما يحدث من تقدم أو تعثر مع الرياض. وأضاف المصدر ذاته أن الصعود والهبوط في العلاقات بين السعودية وإيران لا يكفي للتدليل على ربط الموقف المصري به، لأن الخلاف بين القاهرة وطهران قديم وله جذور مختلفة، والعلاقات بين الرياض وطهران شهدت انفراجات خلال السنوات الماضية دون أن تنعكس تداعياتها الإيجابية على مصر، ما يعزز فكرة الفصل. واستدرك المصدر قائلا إن التأثير إن وُجد فهو “معنوي أو رمزي، بحكم العلاقات الإستراتيجية بين مصر والسعودية، والتي مهما شابها توتر لن تؤدي إلى استدارات عكسية تضر بالرياض، ففي ظل تفاهمات سابقة وتحسن لافت في العلاقات لم تقدم القاهرة على خطوة انفتاح نوعية تجاه طهران تعيد بموجبها العلاقات معها”.
ويفسر كلام المصدر المصري جانبا من المشهد الذي يؤكد أن علاقات القاهرة مع طهران أبعد من ربطها بما يحدث من تطورات مع الرياض، لكن ذلك لا يلغي وجود حسابات إقليمية ودولية أخرى على صلة بالرؤية المصرية لطبيعة التوازنات في المنطقة، والعلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما، وهو تأثير ليس مفصليا في موقف القاهرة من طهران. ويُؤخذ هذا المحدد في الاعتبار ضمن سياق الحالة السياسية والأمنية والاقتصادية التي عليها الدولة المصرية، وهي وحدها التي تحدد التصرف مع الخيارات والبدائل المتاحة مع إيران أو غيرها، حيث تستفيد القاهرة من سياستها الخارجية، والحرص على عدم وصول الخصومة أو الخلافات الرسمية إلى طريق اللاعودة، حتى يسهل الرجوع إذا توافرت عوامل التصحيح والمصالحة. وتفوق أزمة القاهرة مع طهران الأطر الإقليمية والدولية الظاهرة، وتبدو لها خصوصية كبيرة لها صلة بالداخل المصري الذي يحدد مدى الانفراج فيها ويجعلها أسيرة لحالة الهدوء، بلا سخونة أو برودة، يمكن أن تفرز معها تبعات ثقيلة لا يريدها الطرفان، ما جعل كليهما يرتضي بالحد الأدنى من العلاقات، التي يعكسها فقط مكتب دبلوماسي لرعاية المصالح في العاصمتين يعمل منذ عقود.
وتتجاوز خشية مصر من التطبيع مع إيران حدود السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، فهناك دولة خليجية، مثل قطر، على علاقة جيدة بالدول الثلاث، والعديد من الدول الغربية تحافظ على درجة من الدفء معها، ومن ثم تنحصر الخشية في توابع تتعلق بما يمكن أن تفضي إليه خطوة عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة على الداخل. وتتحفظ أجهزة الأمن المصرية نفسها على إيران ولا تريد تطبيعا يؤدي إلى تدفق الملايين من الشيعة على القاهرة وغيرها من المدن، على الرغم من العوائد الاقتصادية التي يمكن جنيها من هذه السياحة الدينية، وحجة الأمن أنه لا يريد إرهاقا إضافيا، ويكفيه ما يعانيه بسبب التيار السنّي المتشدد. ويقول متابعون إن شيعة إيران لا يدخلون بلدا إلا ويحملون معهم أجندة سياسية وطائفية، ومصر لا تتحمل هذا النوع من الأجندات التي تتسلل من خلال منهج عاطفي وإنساني يتعلق بحب آل بيت الرسول محمد (ص) والمزارات المنتشرة في القاهرة لهؤلاء وتحظي بقداسة كبيرة لدى شريحة من المصريين. ويشير المتابعون إلى أن هذه نقطة مفصلية في تحديد شكل العلاقات مع إيران، حتى ولو كانت بعض التقديرات السياسية ترى أهمية في عودة العلاقات مع طهران، والتخلص من التعقيدات والكوابح الخارجية التي تمنع الاقدام على هذه الخطوة. ولذلك سوف تظل العلاقات حبيسة العقدة الداخلية طالما أن التوجهات العامة في إيران لم تحدث بها تحولات جوهرية في أدبيات النظام الحاكم، ما يعني أن التطورات بين السعودية وإيران، أو بين طهران والولايات المتحدة وإسرائيل، لن تؤثر على القاهرة التي تفضل الحفاظ على درجة من الهدوء يسمح لها بانفتاح محدود يمنع الوصول إلى مرحلة شاملة من الخصومة أو العداوة.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article