0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

35 - الاتفاق السعودي الإيراني يقذف المشروع الأمريكي للشرق الأوسط في البحر بلا طوق نجاة(إبراهيم نوار)(القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

نجحت الصين والسعودية وإيران في إبقاء مسار محادثات بكين سرا، لمدة تقرب من عامين، من دون أن يتسرب أي خبر إلى العلن، فوقع البيان الصادر عنها وقع الصاعقة عند إعلانه. وجاءت الصدمة قاسية على الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن أربعة أيام من المفاوضات الرفيعة المستوى بين الأطراف الثلاثة في بكين، قبل صدور البيان، شارك فيها مدير مكتب العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، عضو المكتب السياسي، وزير الخارجية السابق وانغ يي، ومستشار الأمن الوطني السعودي الدكتور مساعد العيبان، وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، لم يتسرب عنها شيء حتى إصدار بيان الاتفاق رسميا مساء 10 مارس. وقد تساءلت صحيفة «جيروساليم بوست» صباح 13 مارس عن فشل الولايات المتحدة في معرفة ما يدور، إلى درجة أن «وول ستريت جورنال»، نشرت في 9 مارس تقريرا حصريا، عن مشاورات تجري بين السعودية والولايات المتحدة، بخصوص تطبيع العلاقات مع إسرائيل، من دون التطرق للمفاوضات في بكين! ومن الواضح أن السرية الشديدة التي أحاطت بالمسار الصيني للمفاوضات، كانت واحدا من أسباب نجاحها، ودليلا أكيدا على الانضباط الصارم للدبلوماسية في البلدان الثلاثة، وليس في الصين فقط. هذه ملاحظة أولية مهمة قبل الدخول في جانب واحد من جوانب الاتفاق، يتعلق بإعادة صياغة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
الاتفاق الدبلوماسي الذي تم التوصل إليه في بكين، يعتبر امتدادا لمحادثات بين السعودية وإيران، تجري منذ نحو عامين في كل من العاصمة العمانية مسقط، والعراقية بغداد، لكنه يكتسب مصداقية دولية، بدخول الصين طرفا فيه، ليس فقط من الناحية الشكلية، ولكن من حيث المضمون، حيث قام الاتفاق على أساس مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ Global Security Initiative للأمن العالمي، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات سابقة بين السعودية وإيران. كما أن دخول الصين على خط المفاوضات، يوفر أحد المقومات المهمة للاستدامة والاستقرار، حيث إن الصين سوف تبقي على اتصالات قريبة جدا بين الطرفين الرئيسين، وربما تشارك في بعض مسارات المفاوضات اللاحقة. ومما يعزز أهمية الدور الصيني في هذا السياق، أنها تملك رؤية لإطار متكامل للتعاون الأمني الإقليمي في الشرق الأوسط، لا يقتصر على ضمان أمن البلدين فقط، وهو إطار يختلف جوهريا عن المشروع الأمريكي الإقليمي للشرق الأوسط.
تقسيم الشرق الأوسط وإشعاله: عمدت الولايات المتحدة، بعد انتصارها في الحرب الباردة (1990- 1991) إلى السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، من خلال خلق حالة جديدة للصراع الشامل، على أسس مذهبية بين محورين، واحد عربي سني، والآخر فارسي شيعي. وكانت الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، قد أسهمت في تقديم غذاء يكفي على الأقل لإقامة القواعد الأولية لهذا الصراع. وقد استخدمت واشنطن الصراع السني- الشيعي في اتجاهين: الأول، هو خلق أساس فكري وسياسي وعملياتي، يعيد صياغة معادلة الصراع الرئيسي في المنطقة، بتقديم الصراع مع إيران على الصراع مع إسرائيل، ومن ثم أصبح الصراع العربي – الإسرائيلي مجرد صراع ثانوي في المنطقة، وليس الصراع الرئيسي. الاتجاه الثاني، هو تشجيع قبول الدول العربية، ودول الخليج على وجه الخصوص، للتعاون مع إسرائيل، باعتبارها ليست خصما، وليست خطرا يهددها، وإنما يمكن أن تكون عونا لها في الصراع مع إيران. وهكذا فإن الدول العربية، التي كانت قد اتخذت موقفا قويا ضد مصر عام 1979؛ بقطع العلاقات معها، وطردها من جامعة الدول العربية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس، بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، أصبحت أكثر انفتاحا على فكرة التعاون مع إسرائيل.
كيف تقطع المبادرة الصينية الطريق على المشروع الأمريكي للشرق الأوسط؟: المدخل الرئيسي للمشروع الأمريكي للشرق الأوسط هو مدخل عسكري، يعتمد على خلق عدو، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل على أنهما العون الوحيد ضد هذا العدو. وقد انتقل المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، من مجرد بناء تحالف للحرب على الإرهاب، إلى وضع خطة لبناء تحالف عسكري لمواجهة إيران. وارتبط هذا الانتقال بتطورين مهمين: الأول هو نقل إسرائيل إلى مسرح عمليات القيادة العسكرية الأمريكية المركزية، التي تضم الشرق الأوسط. هذه الخطوة وضعت الأساس لدمج إسرائيل في المجهود العسكري الإقليمي، وجعلتها جزءا عضويا من الهيكل العسكري الأمريكي. التطور الثاني كان توقيع ما سماه دونالد ترامب «اتفاقيات إبراهام»، مع الإمارات والبحرين. وتختلف اتفاقيات إبراهام عن اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، من حيث إنها لا تقوم على مبدأ «الأرض مقابل السلام»، وإنما على مبدأ «السلام مقابل السلام»، حسب تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. وتنطوي العلاقات السلمية بين السعودية وإيران، على تنحية محور الصراع الرئيسي الذي تروجه الولايات المتحدة، ألا وهو الصراع السني – الشيعي، كما أنها تفسد المدخل العسكري للمشروع الامريكي. هذا يعني أن نجاح المبادرة الصينية، يفتح الباب لإنهاء 7 سنوات من العداء والاعتداءات بين إيران والسعودية. وكان الصراع غير المباشر بينهما، قد بلغ ذروته في عام 2019، عندما تعرضت مراكز إنتاج شركة أرامكو في المنطقة الشرقية، لاعتداءات شديدة بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ، لم تستطع بطاريات الصواريخ الأمريكية المضادة للطائرات من طراز باتريوت اعتراض عدد منها، فأصابت أهدافها. وفي حال نجاح الدولتين في إقامة تهدئة، تمهيدا لتسوية سياسية في اليمن، فإن هذا يعني فعليا أن الصين قذفت المشروع الأمريكي للشرق الأوسط إلى البحر، مجردا من أي طوق للنجاة، كما أنه يضع إسرائيل في أسوأ حالة عسكرية منذ حرب أكتوبر 1973.
رؤية الصين للأمن والسلام والتنمية في الشرق الأوسط: يقوم مفهوم المبادرة الصينية للأمن العالمي، على أساس أن العالم يمر بتغيرات سريعة، لم تحدث من قبل، وأن المجتمع العالمي يواجه مخاطر متعددة وتحديات، نادرا ما واجهها من قبل، وأن النقاط المتفجرة في مناطق الصراعات الإقليمية حول العالم، لا تتوقف عن الاشتعال، وهو ما يتطلب رؤية جديدة للعمل على تجاوز مظاهر نقص السلام والتنمية والأمن في العالم. وتقوم مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، على ستة مبادئ أساسية هي: 1- الالتزام برؤية مشتركة، شاملة، تعاونية، ومستدامة للأمن العالمي، 2- احترام سيادة كل الدول ووحدة أراضيها، 3- العمل بمقتضي أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، 4- التعامل بجدية مع دواعي القلق المشروعة بخصوص الأمن القومي لكل الدول، وضرورة أخذها في الاعتبار، 5 – الالتزام بحل الخلافات والنزاعات بين الدول من خلال الحوار والمشاورات. وعدم اعتبار الحرب والعقوبات أساسا لحل المنازعات بين الحكومات، 6 – الالتزام بالمحافظة على السلام في مجالاته التقليدية وغير التقليدية، حيث إن تحقيق السلام أصبح يمتد إلى مجالات غير تقليدية متنوعة ومترابطة، مثلما هو في مواجهة تغير المناخ، ومواجهة الإرهاب وتحقيق الأمن السيبراني.
وقد جاء اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران متماشيا مع أهداف مبادرة الأمن العالمي للرئيس الصيني، بل يمكن اعتبار الاتفاق جزءا من التطبيقات الإقليمية لها. وطبقا لنص المبادرة، تعمل الصين مع دول المنطقة من أجل تطوير «إطار أمني للشرق الأوسط»، من خلال الحوار، مع ضرورة أخذ أسباب قلق كل دول المنطقة في الاعتبار. وتتبنى المبادرة وتؤيد حل الدولتين للقضية الفلسطينية، وتعزيز الأطر القائمة للتعاون المشترك التي لا تقوم على العداء للآخرين. وفي سياق مبادرة شي جين بينغ للأمن العالمي، تعتبر الدبلوماسية الصينية أن العلاقات السلمية بين الدول، هي ظواهر حية تحتاج إلى الرعاية، وإلى بذل مجهود من جانب كل الأطراف لضمان التفاعل المشترك، على أساس مبدأ الربح المشترك win- win بما يوفر مقومات الاستدامة للأمن والسلام والتنمية، ولذلك فإن تلك المبادرة ليست مجرد مجهود منفصل لدفع العلاقات الثنائية السعودية – الإيرانية في مسار سلمي، على العكس من المسار الذي تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل تكريسه، وإنما تنطلق من رؤية صينية جديرة بالدراسة، لإقامة إطار أمني إقليمي، يحيطه إطار للتعاون المشترك في المجالات كافة، بما يعزز القدرة على تحقيق الرخاء للشعوب، والقدرة على مواجهة التحديات، التي تفرزها التطورات السريعة التي يشهدها العالم، ولا تستطيع دولة واحدة أن تحلها بمفردها، مثل أزمة التغير في المناخ العالمي. وفي هذا السياق فإن السياسة الخارجية للصين في الشرق الأوسط لا تستهدف طرد الولايات المتحدة وإخراجها من المنطقة، وإنما تهدف إلى تشجيع قيام نظام متعدد الأطراف على أساس مبدأ المشاركة في المكاسب. وبالنسبة لترتيب أولويات المفاوضات بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، فلا شك أن إنهاء الحرب اليمنية على أساس تسوية مقبولة، وضمانات أمنية وسياسية، يأتي على رأس الأولويات.
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article