0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

8 - (الهجوم على الجزائر بسبب موقفها): نعم دفاعًا عن إيران(د.محيي الدين عميمور)(راي اليوم)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

تنديد أشقاء كثيرين بنائب برلماني عربي (أو المفروض أنه عربي) اعترف بأن بلاده ساهمت في إسقاط المُسيّرات الإيرانية الموجهة إلى الكيان الصهيوني لأنها، حسب “هُرائِه”، لم تكن من أجل غزة، لم أجد ما أعلق به عليه إلا بالمثال الشعبي عن اكتفاء أولئك الأشقاء بضرب “البردعة”,,, ولا بد من الاعتراف بأن شعب البرلماني سيئ الذكر، كشعوب أخرى في المشرق والمغرب، وقفت وقفات جديرة بالاحترام، لكن من البلاهة أن نعتبر تصريح “النوائب” من هذا النوع مجرد فلتات لسان، لأن الواقع يقول إن هذا هو الموقف الحقيقي للأغلبية الساحقة من القيادات العربية، التي حاولت، باستصغار العمل الإيراني والاستهانة به، إلقاء قنابل دخان تغطى ما لا يمكن إلا أن يعتبر “دياثة” سياسية
بالحروب العبثية وشطحات الأعاصير المتهورة ( والمقصود بالطبع طوفان السابع من أكتوبر) بل بالتطبيع وبالموعظة الحسنة، فكلنا عيال إبراهيم” (أي والله).
ولا بد هنا من القول وللأمانة، أنه مهما كانت عناصر “القصور” في الغضبة الإيرانية، فإنها، في رأيي، كانت أبعد ما تكون عن “التقصير”، لأنها سجلت أن الكيان الصهيوني،كما سبق أن قلت، كيان هشّ لا يعيش إلا بالمعونة الخارجية، غربية وعربية، كما أكد ذلك ضمنيا الإسلامي “السابق”. ومن هنا أقول بكل يقين إن مواصلة “شيطنة” إيران هو عمل يصب في خانة عملية تدمير الوطن العربي الذي أصبح “قصعة” تتداعى عليها الأمم، وهو ما بدأ منذ عقود، عندما أوحى نابليون بونابرت بجعل فلسطين دولة لليهود، وربما منذ قرون، عندما دعا البابا أوربان الثاني لحملات الفرنجة، التي اصطلح على تسميتها بالحروب الصليبية.
وما يجب أن يقال اليوم أن “الانبطاح” أمام مخطط الشمال الإمبريالي والهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني بدأ منذ سنوات بأسلوب غير مباشر، وأنا أتحدث هنا باسمي الشخصي، لكنني لا أملك إلا أن أذكر بالهجومات “العربية” التي تعرضت لها الجزائر في منتصف السبعينيات، عندما جمعت بين شاه إيران وصدام حسين بهدف رئيسي هو المساهمة في إراحة العراق من الضغط الذي كان يعرقل مسيرته الوطنية، حيث كان في طليعة البلدان العربية التي تبني المستقبل العلمي والعملي المشرف، وهو ما كان هاجسا مؤلما للكيان ومن يقف وراءه. آنذاك كانت إيران الحليف المدلل لنفس القيادات العربية التي تغير موقفها بـ180° درجة عند سقوط رضا بهلوي، وعندما تغير موقف إيران بنفس الدرجة تجاه الكيان الصهيوني.
تعرضت الجزائر لهجومات مماثلة في الثمانينيات عندما التزمت الحياد الإيجابي أمام الحرب العراقية الإيرانية من منطلق السعي المخلص والعمليّ لكيلا تتحول حرب بين دولتين إلى عداء أبديّ بين قوميتين متجاورتين، ولتفادي خلق النفور الدائم بين الوطن العربي وعمقه الإسلامي. وبرغم أن الجزائر رفضت حماقة الثاني من أغسطس 1990 إلا أنها وقفت بكل طاقتها ضد الحلف الإجرامي الذي كان يُخطط لتدمير العراق، وأساسا لمصلحة القاعدة المتقدمة للاستعمار الأوربي، أي إسرائيل بالطبع. وتعرضت الجزائر لما تعرضت له، ولدرجة أن طائرة الرئيس الجزائري، الذي كان يقوم بجولة مكوكية لتفادي الحرب، مُنعت من الهبوط في مطار دولة عربية، وترددت أقوال عن خطة أمريكية لإسقاط طائرته كما أسقطت طائرة وزير الخارجية الجزائري في مايو 1982.
باختصار شديد، اتخذت معظم القيادات العربية موقف العداء للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيام النظام الجديد وطرد ممثلي الكيان الصهيوني من طهران ووضْع مقرّ سفارته تحت تصرف القيادة الفلسطينية. ومن هنا يبدو أن ذلك العداء موجه أساسا لكل ما يخدم القضية الفلسطينية ولكل ما يواجه الضغط الأمريكي الذي لم يحاول يوما إخفاء محاولاته المتواصلة لضمان السيطرة المطلقة على الإرادة العربية. وما يمكن أن يُقال كثير ومؤلم، بل وأحيانا مُقرِفٌ إلى حدّ إثارة الغثيان، لكن ما قامت به إيران، ورغم هشاشته وضعف تأثيره التدميري، هو عمل تاريخي مقارنة بمواقف النذالة التي راحت تزود الكيان الصهيوني بالغذاء والوقود، ولم تقتدِ حتى بدول أمريكا اللاتينية، التي لم تتصرف كالأغوات في قصر السلطان.
وواجبنا العربي والإسلامي والمسيحي، في نظري، هو الحرص على أن تكون إيران، وبقية الدول الإسلامية في آسيا وإفريقيا، عمقا استراتيجيا للوطن العربي، وهنا نفهم موقف الجزائر من القضايا المرتبطة بالساحل الإفريقي غير العربي، والذي تحاول دول عربية إثارة الفتن داخله، ولأهداف لا تخفى على لبيب قرأ كل ما كُتِب بعناية. وإذا كنت أجرؤ على التضامن مع إيران وأقبل ما سوف يصيبني من جرائه إن هناك أمرا آخر لا أحب أن يفوتني التوقف عنده. أقول للقيادة التركية إن ما حققته من تألق في السنوات الأخيرة يمكن أن يضيع في لحظات إذا استمر هذا العبث الذي أتصور أنه يحدث أمام أعيننا، وعليها أن تدرك أن “الماكيافيلية” يمكن أن تضمن لها مكاسب مرحلية، لكن الجمهورية التركية لن تحظى بالقبول لتكون جزءا من أوربا، حتى ولو رفعت الصليب على “أيا صوفيا” بل وعلى “ضريح” أتاتورك وقصر الرئاسة في أنقرة، فحقد الشمال ضدها لن يزول ما دام تناول “الكرواسان” جزءا من الفطور المفضل في الغرب (يذكر بحصار المسلمين لفيينا) ومادامت قيادات الشمال تجسيدا للاندماج الإيديولوجي النصراني العبري ( ولتفادي الجدل العقيم سبق أن أكدت يقيني بأن المسيحيين في المشرق هم جزء من الوطن العربي، جسد توجههم الزعيم المصري مكرم عبيد بقوله: “أنا مسيحيّ دينا مسلمٌ حضارة”، وهو كان يعرف أن نابليون قتل الأسرى العرب في يافا، لا فرق بين مسلمين ومسيحيين، وبأن مسيحيي المشرق قبل ذلك واجهوا جحافل الصليبيين إلى جانب المسلمين). ورحم الله رئيسا وطنيا، وربما أكثر من رئيس، كان يؤمن بأهمية تحقيق التحالف المذهبي السني- الشيعي وبناء التكامل الإقليمي العربي – اللاعربي وسيادة الوئام الديني الإسلامي – المسيحي، لأن هذا هو ضمان حماية المشرق والمغرب العربيين من أطماع الشمال وقاعدته المتقدمة، وحرية الوطن العربي واستقلاله ضمان لحرية العالم الإسلامي.
وكمثقف لا يملك إلا الدعاء، أسترجع قوله تعالى: وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا *.(كاتب ووزير إعلام جزائري سابق)
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article