0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

20 - إسرائيل ترد بعملية أمنية محدودة على ضربة عسكرية إيرانية واسعة: ولادة معادلة عدم تناسب الردع(محمد نون)(القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن العملية الأمنية المتمثلة في مهاجمة قاعدة عسكرية إيرانية في شرقي محافظة أصفهان فجر الجمعة 19 نيسان/ابريل الجاري ردا على الهجوم الإيراني غير المسبوق بالصواريخ والطائرات المسيرة فجر السبت – الأحد 14 نيسان/ابريل. كما أن إيران لم تتهمها رسميا بالمسؤولية عما قالت إنه هجوم بثلاث طائرات مسيرة صغيرة الحجم، تم إسقاطها بمضادات أرضية متوسطة قرب القاعدة من دون وقوع إصابات أو أضرار في الجانب الإيراني، وأن التحقيق المهني والتقني انطلق لمعرفة كافة ملابسات ما حصل . لكن المؤشر الأبرز على وقوف تل أبيب وراء هذه العملية الأمنية المحدودة كان تعليق وزير الأمن الإسرائيلي ايتمار بن غفير عليها ووصفه الرد الإسرائيلي بأنه مسخرة، وهو موقف أثار ضده انتقادات من داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلي، لأنه قد يورط تل أبيب في المسؤولية عن ذلك . والموشر الثاني كان إعلان مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين عبر وسائل إعلام أمريكية وليس إسرائيلية عن قيام تل أبيب بذلك الرد، لكن دون الإفصاح عن أسمائهم.
الغموض مقابل الوضوح: جاء الرد الإسرائيلي غامضا من غير تبنيه رسميا، وكان أشبه بعمليات أمنية سابقة مثل اغتيال علماء نوويين أو مهاجمة مراكز عسكرية مثل قاعدة أصفهان ذاتها، وتمت الإشارة حينها إلى أصابع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد والمتعاونين معه من المجموعات المسلحة التي تنفذ عمليات داخل الأراضي الإيرانية بعد تسللها عبر الحدود المجاورة، سواء عبر ما يعرف بمنطقة مثلث الموت المحاذي للحدود مع أفغانستان وباكستان، أو المناطق المتوترة المحاذية للحدود مع شمال العراق، أو الحدود مع دولة أذربيجان التي تربطها علاقات هامة مع إسرائيل. كما جاء الرد الإسرائيلي دون المعتاد، ولم يصل إلى المستوى المعروف عن ردود إسرائيل على أعدائها، والمثال الأوضح هو أن الجيش الإسرائيلي ما زال يواصل الحرب المدمرة على قطاع غزة منذ سبعة أشهر، ويصفها بأنها رد على عملية هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر 2023. بالمقابل كان الرد الإيراني على قصف الطائرات الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق، واضحا ومعلنا وواسعا ومركبا بمزيج من الطائرات المسيرة والصواريخ بما فيها المجنحة والباليستية، وبمجموع اطلالات تجاوز عددها عتبة 330 جسما طائرا متفجرا وانقضاضيا، أصاب بعضها قواعد عسكرية إسرائيلية وخاصة قاعدة نيفاتيم الجوية في صحراء النقب، وهي التي يوجد فيها مفاعل ديمونة النووي . وما بين غموض العمل الأمني الإسرائيلي، ووضوح الهجوم الجوي الإيراني، ولدت معادلة جديدة يمكن وصفها بأنها معادلة الردع غير المناسب .
الترسانة العسكرية الإسرائيلية والضوابط الأمريكية: يعرف الجميع أن إسرائيل تملك ترسانة أسلحة عسكرية ضخمة ومتنوعة في قواتها الجوية والبحرية والبحرية بما فيها الغواصات والقنابل النووية والمقاتلات الحديثة من طراز إف 35 أمريكية الصنع، ويضاف إليها دعم الأساطيل الأمريكية في الشرق الأوسط والجسر الجوي الأمريكي للذخائر المدمرة والفتاكة وهو الجسر الذي لم يتوقف منذ بدء الحرب على قطاع غزة، وذلك في التزام أمريكي معلن للدفاع عن إسرائيل، وهو التزام استراتيجي لم يتغير رغم الخلافات المرحلية والتكتيكية التي تطبع علاقة الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. لكن السؤال الذي يراود أذهان كثيرين داخل إسرائيل وخارجها، هو كيف لم تستطع ترسانة الأسلحة الإسرائيلية تلك، ردع إيران عن تنفيذ تهديدها بالرد على إسرائيل إثر تدمير القنصلية وقتل جنرالات إيرانيين في دمشق؟
وهنا يتفرع سؤال آخر، وهو من الذي منع إسرائيل من استخدام أفضل ما في ترسانتها للرد على الهجوم الجوي الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة؟ الجواب المتداول على ألسنة السياسيين في عواصم القرار هو إن الإدارة الأمريكية وضعت ضوابط للرد الإسرائيلي، بحيث لا يؤدي إلى تدحرج الأمور نحو حرب إقليمية كبرى، وذلك بعدما أكدت طهران لواشنطن عبر القنوات الدبلوماسية الوسيطة بأنها سترد بقوة هائلة بعشرة أضعاف وخلال ثوان معدودة، على إسرائيل وكل من يدافع عنها بما فيها القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة .
مناورة حرب تجريبية: ويعزز ذلك الاعتقاد أن ما شهدته المنطقة خلال الرد الإيراني كان بمثابة مناورة تجريبية لحرب كبرى محتملة بين محورين : المحور الأول، هو إيران وحلفاؤها الذين ما زالت أصابعهم على الزناد وهم المقاومة في غزة وحزب الله في لبنان وجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن والفصائل في العراق بالإضافة إلى سوريا. والمحور الثاني هو إسرائيل وحلفاؤها الذين شاركوها في التصدي للهجوم الصاروخي الإيراني، وهم الدول النووية الثلاث أي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ومن كان معهم أو قد ينضم إليهم لاحقا. والخلاصة أن تلك الهجمة الإيرانية الجوية على إسرائيل أفرزت واقعا جديدا هو أن براميل البارود في الشرق الأوسط قابلة للاشتعال والانفجار الكبير، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها النوويين لا يريدون لهذا الانفجار أن يحصل وهم غير جاهزين له نظرا للضرر الكبير الذي سيصيب مصالحهم انطلاقا من مضيق هرمز مرورا بمضيق باب المندب في البحر الأحمر، وصولا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالمقابل فإن محور إيران وحلفاءها ورغم قولهم بأنهم لا يريدون حصول المعركة الكبرى، لكنهم في الوقت ذاته يعلنون بشكل واضح أنهم جاهزون لها، وهذا ما يعني ولادة معادلة ردع جديدة يتعطل فيها تدريجيا مفعول الترسانة العسكرية الإسرائيلية، وهذا واقع له ما بعده .
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article