0 :عدد المقالات
 
 

 

الصحافة العربية :

54 - إيران لإسرائيل: انتبهوا هجومنا بدأ(محمد جميح)(القدس)ÃÖÝ ÇáãÞÇá Åáì ÃÑÔíÝí ÇáÔÎÕí

.....جاء الرد الإيراني بطريقة أشبه ما تكون بالمهرجانات الكرنفالية التي يراد منها لفت أنظار وإيصال رسائل، أكثر من كون الهدف إحداث ضرر بالعدو، ولتأكيد طبيعة هذا الرد، وحرصاً على عدم فهمه بطريقة مختلفة، فقد بدأ الرد بطائرات مسيرة يستغرق وصولها لإسرائيل ساعات طويلة، قبيل لحظات من إعلان مندوب إيران في مجلس الأمن أن طهران تعتبر أن كل شي قد انتهى عند هذا الحد، لتفادي أية تطورات. والأحد الماضي خرج علينا المرشد الإيراني علي خامنئي بقوله إن «المهم هو إظهار قوتنا لا الأهداف» في إشارة واضحة إلى أن الهدف من هجوم إيران كان دعائياً استعراضياً، أكثر من كونه عملياً موجعاً، وهذا الهدف يتماشى مع ما هو معروف عن السياسة الإيرانية الشعاراتية، التي تجيد صناعة «الحدث الإعلامي» وإرسال رسائل، مع توخى الحذر في الانسياق وراء رغبات الجمهور للتحرك الفعلي.
وفيما اتخذ الهجوم الإيراني الطابع المذكور فإن الهجمات الإسرائيلية تأخذ طابعاً مختلفاً، حيث تكون مصحوبة بقدر كبير من الغموض والتكتم، وضخ أكبر قدر من التسريبات المتضاربة حولها، من أجل أن يتركز الحديث حول نتائج الهجمات على الأرض، أو يتمحور حول الفعل والمفعول به، مع تمويه الحديث عن الفاعل، وهي استراتيجية إسرائيلية مطردة، إذا ما استثنينا بعض العمليات التي تميل إسرائيل فيها إلى التخفف من سياسة التكتم إزاءها لأهداف محددة، دون التخلي كلياً عن سياسة الغموض الإسرائيلية المعروفة.
وبالنظر إلى طبيعة الهجمات المتبادلة بين الدولتين نجد أنها تأتي متسقة مع الأهداف المرسومة لكل دولة، فهدف إيران «دعائي جماهيري» وقد تحقق نسبياً، ولو ضمن نطاق جمهورها، وهدف إسرائيل «عسكري عملياتي» وهي تمضي في تحقيقه، بشكل متزايد، مع تكثيف ضرباتها ضد قواعد إيران وميليشياتها في سوريا ولبنان. إسرائيل، وعلى الرغم من تراخيها ـ في السنوات الأخيرة – في الالتزام بسياسة «الغموض الاستراتيجي» إزاء هجماتها في سوريا، إلا أن تلك السياسة لا تزال هي السمة الغالبة على تلك الهجمات، انطلاقاً من طبيعة الهدف الذي تريد تحقيقه، وهو إيلام الخصم، وعدم استثارة ردة فعل دولية أو إقليمية، وهذه سياسة رأت تل أبيب أنها ناجعة في مواجهة إيران وميليشياتها، حيث التزمت بها إسرائيل إجمالاً، باستثناء بعض الحالات، وذلك لإيصال رسائل أكثر حزماً للخارج الإقليمي وأكثر طمأنة للداخل الإسرائيلي.
أما بالنسبة لإيران، فهدفها من كل ما يجري في الشرق الأوسط – كما هو معروف – ليس الدخول في حرب، نصرة للقضية الفلسطينية، كما تقول شعاراتها، ولكنها تسعى للاستفادة القصوى من تلك القضية، لتوسيع هيمنتها الإقليمية، دون أن تنزلق للحرب، وذلك على أساس مبدأ «الشراكة في الربح لا في الخسارة». وانطلاقاً من تلك الاستراتيجية فإنه محظور في السياسة الإيرانية الدخول في حرب تؤدي إلى خسارة طهران مكتسباتها التي تحصلت عليها خلال العقود الماضية، سواء جهة بناء مصدَّاتها الميليشياوية في المنطقة، أو ما توصلت إليه من بنية عسكرية داخل البلاد، قد تتعرض للتدمير حال دخول إيران في حرب مباشرة. وإذا كان هدف إسرائيل من ضرب القنصلية الإيرانية عملياتياً استراتيجياً، وإذا كان هدف إيران من ردها دعائياً إعلامياً، فإن رد إسرائيل على هجوم إيران يكاد يقترب من طبيعة رد إيران، وعلى العكس من طبيعة هجوم إسرائيل على القنصلية. في الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني، كان لا بد من مراعاة حقيقة أن معظم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية قد سقطت من ذاتها أو تم إسقاطها، وأن إسرائيل لم تصب بأذى يذكر، عدا عن الرد الرمزي في اختراق الأجواء في فلسطين المحتلة، وهو ما دعا إسرائيل إلى رد باختراق الأجواء الإيرانية، مع ضربة دقيقة لنظام دفاع جوي (أس 300) الذي يحمي منشأة نووية، في رسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى البرنامج النووي رغم وجود أنظمة دفاعية، وهي رسالة رمزية أكثر من كونها ضارة لطهران، رغم تدمير أجزاء رئيسية في منظومة الدفاع الإيراني، حسب نيويورك تايمز.
هذه المنجزات التي حققتها إيران هي التي تصوغ طبيعة الهجمات وردود الأفعال الإيرانية بالشكل الكرنفالي الذي نشهده، و«الكرنفالية» في تلك الهجمات ضرورية لمخاطبة الجمهور، وفي الوقت ذاته فإن عدم إلحاق هذه الهجمات أضراراً تذكر ضروري لعدم توسعة الصراع الذي يعد هدفاً إيرانياً، كما ذكرنا سابقاً. وبالحديث عن عدم توسعة الصراع، فإنه هدف مشترك لإيران وأمريكا، وقد فهمنا أسباب الرغبة الإيرانية في عدم توسعته، وأما واشنطن فإن رغبتها تنطلق من حرصها على الخروج من مستنقعات الشرق الأوسط، للتفرغ لمناطق أخرى أهم في الاستراتيجية الأمريكية التي تريد التركيز على روسيا والصين في الوقت الحالي. وبالحديث عن هدف عدم توسعة الصراع يمكن الاستنتاج أن الهدف الأمريكي الإيراني في عدم توسعة الصراع يعني بشكل تلقائي الانفراد بغزة، وحصر الدمار والقتل في القطاع الذي تستثمر إيران فيه أغلى استثماراتها السياسية، دون أن تدخل الحرب التي تنفي دائماً علاقتها بها.
*******************************
Bookmark this ArticleSave this PagePrint this Article