13 - بي بي سي ترصد شهادات ذوي حجاج غير نظاميين توفوا بسبب الحرّ ووعود مكاتب سياحية(بي بي سي)
يحاول المصري هاني حيدرة معرفة مصير جثمان والدته التي تدعى "السيدة السيد أحمد المراكبي"، ذات الـ 70 عاماً والتي توفيت أثناء أدائها مناسك الحج هذا العام. ينحدر هاني حيدرة من قرية محلة مرحوم بمحافظة طنطا المصرية، ويقول في حديثه لبي بي سي إنه علم بوفاة والدته من خلال صديقة رافقتها أثناء ذهابها صباح يوم السبت الماضي لصعود جبل عرفات، حيث يؤدي المسلمون الركن الأعظم في الحج إذ تلقى حيدرة اتصالاً هاتفياً الساعة السابعة صباحاً في اليوم نفسه، من صديقة والدته ، أبلغته خلاله أن والدته شعرت بتعب شديد وجلست تحت جسر نمرة لتستريح ويضيف حيدرة أن صديقة والدته كان يرافقها ابنها، الذي سارع للاطمئنان على والدة حيدرة، وحينها "وجد تغيراً في لون يديها وقدميها إلى الأزرق (في إشارة إلى شعورها بتعب شديد)". وذهب، فوراً، ابن صديقة والدة حيدرة إلى الواجهة الأخرى من الشارع، للبحث عن سيارة إسعاف لنقلها إلى أقرب مستشفى، وعند عودته لم يجدها وسأل الموجودين في المنطقة عنها، فأعلموه "أن سيارة إسعاف نقلتها لأنها توفت"، حسبما يقول حيدرة لنا.
وتجاوز عدد حالات الوفاة في صفوف الحجّاج هذا العام 1,000 بحسب حصيلة جمعتها وكالة فرانس برس من سلطات الدول المعنية ودبلوماسيين أشار أحدهم إلى أن أكثر من نصف الضحايا كانوا من دون تصاريح للحجّ، وقد أدوا الفريضة في ظلّ طقس حار جداً، وفقا للوكالة. ويقول هاني حيدرة لبي بي سي "عندما علمنا بوفاة والدتي أرسلنا استغاثة إلى السفارة المصرية... واتصلنا بجميع أرقام الطوارئ التي نشرتها السفارة، وحتى الآن لم نتلقَ أي رد". من جهتها قالت السفيرة سها جندي، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج في بيان إن جهوداً كبيرة تُبذل لمتابعة جميع حالات الحجاج المتوفين والمفقودين بالتنسيق مع وزارة الخارجية والقنصلية المصرية في جدة والسلطات السعودية.
كما قالت قناة القاهرة الإخبارية المصرية شبه الرسمية إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أصدر توجيهاته بتشكيل خلية أزمة برئاسة رئيس الوزراء لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين. وفي محاولة منه لمعرفة مصير جثمان والدته المتوفية، تواصل حيدرة مع وزارة الصحة السعودية وسجل بيانات والدته. وأوضح لبي بي سي "أن الوزارة أبلغته بالاتصال برقم 937 وهو رقم مكتب وزارة الصحة السعودية، وأعلموه المسؤولون أنه خلال 72 ساعة سيتم إبلاغه بمكان جثمانها.. لكن دون رد". وقد تواصلت بي بي سي مع وزارة الصحة السعودية لمعرفة أعداد الحجاج المتوفين، لكنها لم تتلق رداً، كما تواصلنا كذلك مع مسؤول في وزارة الحج السعودية، لكنه لم يرغب في التعليق.
وقد ذهبت المراكبي إلى الحج عبر حجز رحلة نظمتها إحدى شركات السياحة في محافظة طنطا المصرية، لكن نجلها يقول لبي بي سي: "كان الاتفاق أن والدتي ستحصل على تأشيرة حج، ولكننا اكتشفنا، عند سفرها، أنها تأشيرة زيارة". وعادة ما تمنح المملكة العربية السعودية تأشيرة أداء فريضة الحج تحت اسم" تأشيرة حج"، ما يعني أن الراحلة قد حصلت على تأشيرة زيارة سياحية، ومن ثم فإنها تتبع للحجاج غير النظاميين. وكان مصدر أمني ببعثة الحج المصرية قد قال لوسائل إعلام مصرية، إن "معظم الحجاج المصريين المتوفين غير مسجلين بالبوابة المصرية الموحدة للحج". وقد أعلنت رئاسة الوزراء المصرية "فتح تحقيق مع أصحاب الشركات التي رتبت سفر الحجاج المصريين المتوفين، بعيدا عن الأطر النظامية".
كانت السلطات السعودية قد أعلنت في التاسع من الشهر الحالي أن قواتها الأمنية ضبطت أكثر من 300 ألف شخص غير يحملون تأشيرات سياحية بدلا من تأشيرات الحج، قبل نحو أسبوع من بدء المناسك، منهم 200 ألف مصري. وقد اختتمنا حديثنا مع هاني حيدرة، بسؤاله عما إذا كان يرغب في دفن جثمان والدته في مصر أو داخل السعودية، حال معرفته بمكانها، فرد قائلا: "والدتي كان تدعي الله قبل السفر أن تموت في جبل عرفات، هذا مكان مقدس ونتمنى أن نُدفن فيه".
وقالت شروق وهي إحدى قريبات حاج أردني توفي خلال أداء مناسك الحج، إن مجموعة من أقاربها حجزت في 17 مايو/ أيار الماضي، عبر مكتب سياحي للسفر إلى السعودية، وأن هذا المكتب أبلغهم بإمكانية إقامة العمرة ومن ثم البقاء هناك في انتظار موسم الحج. وأضافت لبي بي سي، أن "الحاج المتوفى (60 عاماً) وهو ابن عمتها، سافر إلى السعودية مبكراً لانتظار موسم الحج دون إصدار التأشيرة الخاصة بالحج"، لافتا إلى سمّاه "تغرير المكتب السياحي بتسهيل كل الأمور المتعلقة بالحج في حينه، وهو ما لم يحصل". وكشف مصدر أردني مسؤول، عن "تحريات تُجرى الآن حول ملابسات وظروف خروج هؤلاء المواطنين من الأردن، وسيتم التعامل مع نتائجها حسب القانون إذا ما ثبت أن هناك حالات تغرير بالمواطنين".
وأوضحت شروق لبي بي سي، "دفعوا نحو 2700 دينار (3800 دولار) للشخص الواحد، في ظل وعد من المكتب السياحي بأن يكون كل شيء مؤمَّناً حين بدء موسم الحج من خدمات وحتى الإسوارة الإلكترونية المخصصة للحجاج". وتضيف أن "أول عشرة أيام كانت الأمور جيدة"، لكنها تشير بعد ذلك إلى حصول مداهمات السلطات السعودية للبحث عن الحجاج غير النظاميين، والتي وفق وصفها "أفزعتهم وأبقتهم في الشقق التي حجزوها مسبقاً". وبحسب شروق، "حينما حلّت أيام الحج لم تكن لهم خيام أو مواصلات بدعوى أنهم غير نظاميين". ويُحظر على حاملي تصريح (فيزا السياحة) تأدية فريضة الحج، والوصول إلى الأماكن المكيّفة أو الدخول إلى أماكن الاستراحة التي تقي من حرارة الشمس كونهم غير مسجلين على سجلات الأسماء المخصصة لحصة كل دولة من الحجاج النظاميين.
وتروي تفاصيل فقدان ابن عمتها وتقول إنهم كانوا بجبل عرفات ثم نزلوا لرمي الجمرات "كان مع عمي وزوجته وابن عمتي وزوجته، وفقدوه عند الساعة 10:30 صباحاً، عند رمي الجمرات.. اعتقدوا أنه سيلتحق بهم، خاصة بعد أن تواصلوا معه لمرات دون استجابة، وعادوا إلى الشقة وانتظروه طوال الليل، وفي صباح اليوم التالي غادروا لتفقد المستشفيات وإبلاغ القنصلية والمراكز الأمنية". وتضيف بأن القنصلية أبلغتهم لاحقا أنهم اشتبهوا، بشخص يحمل اسم "أ س"، أن يكون المفقود، مستندين إلى بصمة العين أو اليد، وفق ما قالت. وتقول إن عمها الموجود بالأصل هناك "لم ير جثة المتوفى بل جرى إبلاغه للقدوم والبدء بإجراءات الدفن وحده، رغم أن 4 من أفراد العائلة سافروا من الأردن إلى السعودية فور سماعهم بالخبر لكن لم يسمح لهم بالمشاركة في دفنه الذي لم يبدأ حتى نهاية يوم الأربعاء". وتنقل الشابة عن السلطات السعودية أن هناك قائمة انتظار طويلة قبل دفن المتوفى.
وقال دبلوماسي عربي لوكالة فرانس برس بدون الكشف عن اسمه إنّ "58 حالة وفاة إضافية سُجلت في صفوف الحجاج المصريين، ما يرفع عدد المصريين المتوفين في الموسم الحالي إلى 658 على الأقلّ، بينهم 630 لا يحملون تصاريح للحج". واستنادًا إلى أعداد وفّرتها حوالي عشر دول عبر بيانات رسمية أو دبلوماسيين منخرطين في عمليات البحث عن الضحايا، بلغ عدد الوفيات في موسم الحجّ هذا العام 1,081، بدون تحديد الأسباب في معظم الأحيان، وفقا للوكالة. وتوزع العدد كالآتي: 658 مصرياً و183 إندونيسياً و68 هندياً و60 أردنياً و35 تونسياً و13 من كردستان العراق و11 إيرانياً و3 سنغاليين و35 باكستانياً و14 ماليزياً وسوداني واحد. وتزامن موسم الحجّ وهو من أكبر التجمعات الدينية في العالم، مرة جديدة هذا العام مع طقس حار للغاية إذ بلغت الحرارة مطلع الأسبوع الحالي 51,8 درجة مئوية في الظلّ في مكة المكرّمة. لكن هذا العدد مرشح للزيادة، مع الإعلانات المتتالية لأسماء المفقودين، إذ صرح المصدر الدبلوماسي نفسه في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية أن المسؤولين المصريين في المملكة العربية السعودية تلقوا "1400 بلاغ عن مفقودين من الحجاج".
وقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فيس بوك بصور حجاج مصريين مفقودين وندءات استغاثة تطالب بالحصول على أي معلومات تخصهم، وتضمنت المنشورات أرقام هواتف للتواصل، حال العثورعليهم. كما نشر ذوو إحدى السيدات المصريات على فيس بوك منشوراً قالوا فيه: "صاحبة هذا الحساب مفقودة من يوم الأحد 16 يونيو/حزيران في الساعة العاشرة صباحاً في منطقة رمي الجمرات، وكانت مصابة غالباً بضربة شمس خلال آخر تواصل معها، نرجو من كل الاصدقاء النشر في كل مجموعات البحث عن المفقودين". وقد تواصلت بي بي سي نيوز عربي مع قريبة من ذوي أقارب هذه السيدة المفقودة وقالت لنا إنها توفيت. كما نُشر منشور على مجموعات، على فيسبوك، خاصة بالبحث عن الحجاج المصريين المفقودين، قائلا: "والدتي مفقودة منذ ظهر أول يوم العيد أثناء مناسك الحج واسمها خضرة عبد الراضي، وقد نفد شحن هاتفها المحمول، وقد شوهدت لآخر مرة عند منطقة رمي الجمرات". ليُعدل بعدها المنشور كالتالي:"جزاكم الله خيراً... تم العثور عليها متوفية في أحد المستشفيات السعودية".
ماذا يحدث لجثامين من يموتون؟ في كثير من الأحيان، تقوم سلطات المستشفى السعودية أو حتى ناس عاديين، بإبلاغ بعثة الحج الرسمية لأي دولة بوفاة أحد مواطنيها بشكل مباشر، لكن هذا يعتمد على مكان وفاة الحاج. عادة ما تتوفر بعض المعلومات الأساسية مثل الاسم والعمر والوكالة التي يحج من خلالها والجنسية ورقم الهوية، وكلها تكون في سوار المعصم أو بطاقة الهوية التي تكون معلقة في رقبة الحاج. من خلال مسح سوار اليد، يتمكن معرفة جميع معلومات الحاج، بحسب تصريح المطوف نجم سادات، من وكالة الحج المسجلة في بنغلاديش. يعمل عدد كبير من الموظفين ميدانيا لضمان سلامة الحجاج. إذا وجدوا حاجا مصابا بجروح خطيرة أو حتى متوفيا، فإنهم يعملون لنقله إلى المستشفى ويحصلون على معلومات عنه بعد مسح سوار المعصم أو بطاقة الهوية حول عنقه. ثم يتصلون مباشرة ببعثة الحج الخاصة بهذا الشخص. إذا توفي الحاج في مخيم الحج أو الفندق، فإن المطوف أول من يتلقى خبر الوفاة وينقله للبعثة والسلطات السعودية. وإذا كان هناك أي قريب أو شخص مقرب من الحاج المتوفى معه فإنه يسهل تحديد هويته. ولو حضرت أسرة المتوفى إلى السعودية وأرادت رؤيته للمرة الأخيرة، فإنها لا تستطيع عمل هذا. ولكن إذا كان أقارب المتوفى داخل المملكة سواء في مكة أو المدينة، فإنهم يمكنهم ألقاء النظرة الأخيرة عليه وحضور جنازته أيضا. وتحتفظ سجلات المقابر برقم هوية الحجاج ومكان دفنهم، حتى يتمكن أقاربهم من معرفة القبر المدفون فيه كل حاج إذا أرادوا زيارته.